بعد الأربعة الأشهر وهي الأشهر المذكورة ، وقيل : أول التأجيل عند الأضحى إلى آخر عشر من أول ربيع الآخر (١) ، وكانت حرما (٢) لهم لأمنهم فيها أو كونها حرما (٣) على تغليب ذي الحجة والمحرم على غيرهما (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) [٢] أي واعلموا أنه تعالى مذلهم بالقتل في الدنيا وبعذاب النار في الآخرة ، قيل : نزلت البراءة بعد الهجرة إلى المدينة سنة تسع بعد فتح مكة بسنة ، فتجهز رسول الله عليهالسلام للحج ، فقالوا له : إن المشركين يطوفون بالبيت عراة ، فبعث أبا بكر ومعه عشر آيات من هذه السورة ليقرأها على أهل مكة ، ثم بعث عليا وأمره أن يقرأ هو هذه الآيات ، لأن جبرائيل قال : لا يبلغ رسالتك إلا رجل منك وأن يؤذن بمكة ومنى وعرفة أن قد برئت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك ، فلا يطوف بالبيت عريان ، فرجع أبو بكر وقال : يا رسول الله! أأنزل في شأني شيء؟ قال : لا ، ولكن كان من عادة العرب في عقد العهود ونقضها أن لا يتولى ذلك إلا سيدهم أو رجل من قومه أقرب إليه نسبا ، فكن أنت على الموسم حاكما في أعمالهم ، وعلى ينادي بالآي (٤) ، وقيل لأن أبا بكر كان خفيض الصوت وعليا جوهري الصوت فأراد أن يسمعها جميع الناس بالتأذين النازل من الله تعالى في قوله (٥)(وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) وهو جملة معطوفة على مثلها من (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) الآية كالتأكيد في بيانها كارتفاع (بَراءَةٌ) في الوجهين ، قيل : «الفرق بينهما أن تلك إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإعلام» (٦) ، لأن الأذان بمعنى الإعلام (٧) ، أي هذه إعلام حاصل من الله ورسوله (إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) وهو يوم النحر ، لأن معظم أفعاله فيه من الطواف والنحر والحلق والرمي أو يوم عرفة ، لأن الوقوف بعرفة معظم أفعاله الواجبة ، لأنه إذا فات فات الحج لا يجبره دم ، وقيل : الأكبر نفس الحج والأصغر العمرة لنقصان عملها من عمل الحج (٨) ، وإنما علق الأذان بالناس وعلق البراءة الذين عوهدوا من المشركين ، لأن الأذان عام لجميع الناس من عاهد ومن لم يعاهد ومن نكث العهد ومن لم ينكث ، وأما البراءة فمختصة بالمعاهدين الناكثين ، قوله (أَنَّ اللهَ) بفتح «أن» مع اسمها وخبرها نصب بأنه مفعول «أذان» ، أي إعلام منهما أن الله (بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بالرفع مبتدأ ، خبر حذوف ، أي ورسوله بريء أيضا لنكثهم ععودهم ، فلم يبق منا عهد وأمان لهم ، فلما كان يوم التروية قال أبو بكر خطيبا للناس فحدثهم عن مناسكهم وأقام الحج للناس يوم عرفة ، ثم قال علي يوم النحر عند جمرة العقبة وأذن في الناس بما أمر به من الآيات العشر ، وبأن لا يطوف عريان بالبيت ، وأن لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وإن من كان بينه وبين رسول الله عليهالسلام عهد ، فان أجله إلى أربعة أشهر ، فاذا مضت المدة فلا عهد له ، ومن لا عهد له فعهده أربعة أشهر ، وبأن فريق المشركين لا يجتمع مع فريق المسلمين بعد عامهم هذا ، فقال الناكثون منهم : يا علي أبلغ ابن عمك أنا ، قد نبذنا العهد وراء ظهورنا ، فليس العهد بيننا وبينه إلا طعن بالرماح وضرب بالسيوف ، ثم قال (فَإِنْ تُبْتُمْ) من الشرك ونكث العهد (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من الإقامة عليه (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي إن أعرضتم (٩) وأبيتم الإيمان وأقمتم على الكفر (فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) أي غير فائتين من عذابه ، ثم قال للنبي عليهالسلام (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [٣] وهو القتل في الدنيا وعذاب النار في الآخرة.
(إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤))
ثم استثني من قوله «بَراءَةٌ» «إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» من لم ينقض العهد بقوله (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٢) حرما ، ب م : حراما ، س.
(٣) حرما ، ب م : حراما ، س.
(٤) اختصره المصنف من السمرقندي ، ٢ / ٣٢ ، ٣٣ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٨٠.
(٥) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٣٣.
(٦) أخذه عن الكشاف ، انظر الكشاف ، ٢ / ١٨٠.
(٧) لأن الأذان بمعنى الإعلام ، ب : والأذان بمعنى الإعلام ، م ، ـ س.
(٨) اختصره المفسر من البغوي ، ٣ / ٨.
(٩) أي إن أعرضتم ، م : أي أعرضتم ، ب س.