أمر الاستمتاع قبل التشبيه لئلا يرضوا به ويرجعوا عما هم فيه فيؤمنوا (وَخُضْتُمْ) أي شرعتم في الباطل من تكذيب رسول الله وآياته (كَالَّذِي خاضُوا) أريد به الجنس ، فاستعمل في معنى الجمع كقوله (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(١) أو الذي ك «ما» المصدرية ، وهو نادر ، أي كخوضهم في الباطل نحو على الذي أحسن ، أي على إحسانه (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي بطل ثواب حسناتهم بسبب تلك الصفة (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [٦٩] أي المغبونون في الآخرة ، لأنه ما ربحت تجارتهم.
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠))
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ) أي ألم يصل أهل مكة (٢)(نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي خبر المتقدمين من الأمم الكفرة باخبار القرآن لهم عند تكذيبهم الرسل كيف فعلنا بهم من التعذيب والإهلاك (قَوْمِ نُوحٍ) بالجر بدل من «الذين» ، أي أهلكناهم بالأغراق لتكذيب نوح (وَعادٍ) أي وقوم عاد بالريح العقيم لتكذيب هود (وَثَمُودَ) أي وقوم ثمود بصيحة جبرائيل لتكذيب صالح (وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ) وهم قوم نمرود بن كنعان بالبعوضة الذي هو أضعف الخلق بسبب عتوه وتجبره على الخلق لتكذيب إبراهيم وأصحاب مدين ، أي وقوم شعيب بعذاب يوم الظلة لتكذيب شعيب (وَالْمُؤْتَفِكاتِ) أي مدائن قوم لوط بجعلها (٣) عليها سافلها وإمطارنا (٤) الحجارة عليها لتكذيب لوط ، جمع «مؤتفكة» ، أي المكذبة ، وقيل : بمعنى المنقلبة (٥)(أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الواضحة على صدقهم فكذبوهم أو بالآيات الظاهرة من الأمر والنهي فتركوا طاعة الله واتبعوا أهواءهم فأهلكناهم (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أي ليهلكهم بغير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [٧٠] بتكذيب رسله وترك طاعته.
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١))
ثم أخبر عن حسن حال المؤمنين في الدنيا والآخرة في مقابلة حال المنافقين فقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) سرا وعلانية في الدين والإعانة (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) أي بالإيمان واتباع محمد في الشريعة (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي عن الشرك (٦) والمعصية (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أي يتمونها في أوقاتها (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي يؤدونها على من يستحقها (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) في الفرائض والسنن (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) بالأمن من عذاب النار والإدخال في الجنة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) بالانتقام لمن لم يطعه ورسوله (حَكِيمٌ) [٧١] يحكم بحكمته للمؤمنين بالجنة وللكافرين بالنار فهو واضع كلا موضعه بحسب الاستحقاق.
(وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢))
ثم صرح وعده بذلك إياهم في دار الكرامة لتنتزع نفوسهم إلى ما وعده لهم بالطاعة والصبر فقال (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي من الرجال والنساء (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) أي منازل طاهرة تطيب فيها النفوس وهي القصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) علم لدار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها (٧) غير ثلاثة ، النبيون والصديقون والشهاداء ، يقول
__________________
(١) الزمر (٣٩) ، ٣٣.
(٢) أي ألم يصل أهل مكة ، ب س : ـ م.
(٣) بجعلها ، ب س : يجعلها ، م.
(٤) وإمطارنا ، ب س : وأمطرنا ، م.
(٥) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٨٠.
(٦) أي عن الشرك ، س : أي الشرك ، ب م.
(٧) لا يسكنها ، ب م : لا تسكنها ، س.