إلى قيصر فآتي بجنود فأخرج محمدا من المدينة (١) ، فأتوا رسول الله فاستأذنوه في بناء المسجد تعللا لبعد المسير عليهم إلى الصلوة مع النبي عليهالسلام ، فأذن لهم في ذلك غرضهم تفريق الجماعة من مسجد النبي عليهالسلام والإيقاع بين المؤمنين فتنة وتقوية نفاقهم (٢) ، فقال تعالى إظهارا لنفاقهم (٣) والذين اتخذوا ، أي القوم الذين بنوا مسجدا مضرة للمؤمنين (وَكُفْراً) أي وإظهارا لكفرهم المخفي في قلوبهم (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) من مسجد قباء ، يعني لكي يصلي بعضهم في مسجدهم وبعضهم في مسجد قباء فتختلف كلمتهم (وَإِرْصاداً) أي انتظارا (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي لمنافق كان يقاتل النبي صلىاللهعليهوسلم حتى هزم يوم حنين (٤)(مِنْ قَبْلُ) أي قبل بناء مسجد الضرار (٥) وهو الراهب المذكور ، ف (مِنْ قَبْلُ) يتعلق ب (حارَبَ) على هذا المعنى لا ب (اتَّخَذُوا) ، يعني هم يعذبون بالنار بسبب مسجدهم الذي بنوه وأعدوه (٦) لأجله فاذا قدم من الشام يؤمهم ليثبت لهم الفضل على إخوانهم (٧) ، ويظهر بذلك على رسول الله فيتقوى نفاقهم وكفرهم ، فدعا رسول الله عليه فمات كافرا بالشام (٨) ، فلما ظهر نفاقهم جاؤا يحلفون ما أردنا ببنائه إلا خيرا فنزل (٩)(وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا) ببناء المسجد (إِلَّا) الفعلة (الْحُسْنى) وهي أن لا تفوتنا الصلوة بالجماعة وليرجع الراهب فيسلم ويصلي بنا ونذكر الله تعالى فيه (١٠)(وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [١٠٧] في حلفهم ، قيل : كل مسجد بني مباهاة أو رياء أو سمعة أو لغرض غير وجه الله أو بمال غير طيب فهو لا حق بمسجد الضرار (١١).
(لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨))
ثم أنهم طلبوا من رسول الله عليهالسلام حين خرج إلى غزوة تبوك أن يأتي ويصلي بهم فيه ليتبركوا بصلوته ، فقال عليهالسلام : إنا على جناح سفر فان قدمنا إن شاء الله صلينا لكم فيه فنزل (١٢)(لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) للصلوة فيه ، ثم قال (لَمَسْجِدٌ) مبتدأ موصوف بقوله (أُسِّسَ) أي أصل (عَلَى التَّقْوى) أي على التوحيد (١٣) ولوجه الله لا على النفاق (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) من أيام وجوده (أَحَقُّ) خبره ، أي أولى وأجدر (أَنْ تَقُومَ) أي بقيامك للصلوة (فِيهِ) وهو مسجد رسول الله أو مسجد قباء (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) أي يتوضؤا بالماء أو يتطهروا من الذنوب بالتوبة والعمل الصالح (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [١٠٨] أي المتطهرون بالماء أو بالتوبة.
روي : أن النبي عليهالسلام قال : يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء والغائظ؟ قالوا : نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ، ثم نتبع الأحجار الماء ، فقرأ عليهم الآية ، فهم أول من استنجى بالماء ، ثم استن رسول الله صلىاللهعليهوسلم الاستنجاء بالماء (١٤).
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩))
__________________
(١) وكان قد قال لهم ابنوا مسجدا فاني ذاهب إلى قيصر فآتي بجنود فأخرج محمدا من المدينة ، ب س : ـ م.
(٢) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٧٣ ؛ والكشاف ، ٢ / ٢١٣ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢١٩.
(٣) لنفاقهم ، س م : لنفاقها ، ب.
(٤) أي لمنافق كان يقاتل النبي صلىاللهعليهوسلم حتى هزم يوم حنين ، ب س : ـ م.
(٥) الضرار ، ب م : ضرار ، س.
(٦) وهو الراهب المذكور فمن قبل يتعلق بحارب على هذا المعنى لا باتخذوا يعني هم يعذبون بالنار بسبب مسجدهم الذي بنوه وأعدوه ، ب س : وهو الراهب يعني عدوه ، م.
(٧) ليثبت لهم الفضل على إخوانهم ، ب س : ـ م.
(٨) بالشام ، ب س : في الشام ، م.
(٩) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٧٣.
(١٠) ونذكر الله تعالى فيه ، ب ، ونذكر الله تعالى ، س ، ـ م.
(١١) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٢ / ٢١٣.
(١٢) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٧٤.
(١٣) أي على التوحيد ، ب س : مبتدأ أي على التوحيد ، م.
(١٤) نقله عن الكشاف ، ٢ / ٢١٤.