وإرشادهم إلى الصواب والنصيحة لهم لا قصد التصدر والترؤس في البلاد وتحصيل الملابس والمراكب والعبيد والإماء ومناقشة بعضهم بعضا بواسطة العلم فيحرمون بذلك عن ثواب الآخرة ويعذبون بعذاب النار.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) نزل لقتال الأقرب فالأقرب منهم (١) ، أي قاتلوا من حولكم ويقربكم من العدو كبني قريظة والنضير وفدك وخبير وغيرهم من المشركين فهو عام في ذلك ، يعني القتال مع جميع الكفار قريبهم وبعيدهم واجب ، ولكن الأقرب فالأقرب أوجب ، وهكذا المفروض على كل ناحية أن يقاتلوا من وليهم ما لم يضطر إليهم أهل ناحية أخرى (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) أي شدة وشجاعة وجفوة (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [١٢٣] بالنصر والعون على عدوهم إذا اتقوا عن الترأف (٢) عليهم بالنفاق (٣).
(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤))
ثم بين تفاوت الحال بين المخلصين والمنافقين في نزول القرآن فقال (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) من القرآن (فَمِنْهُمْ) أي من المنافقين (مَنْ يَقُولُ) بعضهم لبعض (أَيُّكُمْ) مبتدأ ، خبره (زادَتْهُ هذِهِ) السورة (إِيماناً) أي يقينا وتصديقا إنكارا بالسورة واستهزاء بالمؤمنين واعتقادهم زيادة الإيمان بزيادة العلم بالوحي والعمل به ، فقال تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وهم أصحاب محمد عليهالسلام (فَزادَتْهُمْ) هذه السورة (إِيماناً) أي تصديقا بهذه السورة (٤) مع تصديقهم بالله (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [١٢٤] أي يفرحون بما أنزل من القرآن.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥))
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك ونفاق (فَزادَتْهُمْ) هذه السورة (رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) أي كفرا إلى كفرهم وإثما إلى إثمهم ، فتضاعف عقابهم ، وأصل الرجس النتن (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) [١٢٥] في الحقيقة وإن كانوا مؤمنين صورة لثبوت الكفر في سرهم.
(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦))
(أَوَلا يَرَوْنَ) بالياء إخبارا عن المنافقين ، أي أيشكون في الإيمان بالله ورسوله ولا يرون (أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) أي يبتلون بالمرض والقحط وغيرهما من بلاء الله ، وبالتاء خطابا (٥) للمؤمنين ، أي ألا ترون أنهم يختبرون (فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) بسبب نفاقهم وكفرهم (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) من نفاقهم (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [١٢٦] أي يتعظون فيؤمنون.
(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧))
(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) من القرآن فيها عيب المنافقين (نَظَرَ بَعْضُهُمْ) أي بعض المنافقين (٦)(إِلى بَعْضٍ) ويتغامزون يريدون الهرب يقولون (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) أي أحد من أصحاب النبي عليهالسلام (ثُمَّ انْصَرَفُوا) عن مكانهم بالخروج من مجلسه (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن الإيمان وخذلهم عن الفهم بالقرآن (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [١٢٧] أي لا يتدبرونه حتى يفقهوا ، وقيل : صرف الله قلوبهم دعاء عليهم بالخذلان وصرف الانشراح الذي يكون في قلوب أهل الإيمان (٧).
__________________
(١) نقله عن البغوي ، ٣ / ١٣١.
(٢) عن الترأف ، ب س : علي التزأف ، م.
(٣) بالنفاق ، ب س : ـ م.
(٤) بهذه السورة ، س : ـ ب م.
(٥) «يرون» : قرأ يعقوب وحمزة بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ١٤١.
(٦) أي بعض المنافقين ، ب س : ـ م.
(٧) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٨٥.