سورة يونس
مكية إلا آية وهي (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ)(١) ، فانه مدني ، روي كذا
عن ابن عباس رضي الله عنه (٢).
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١))
قرئ (الر) بالفتح وبالإمالة وبين بين (٣) ، ومعناه أنا الله الرائى أو الرقيب (٤).
قيل : لما ختم سورة التوبة بذكر النبي عليهالسلام ووصفه بالرسالة وإظهار حرصه على أهل مكة بالإيمان به واتباعهم في دينه افتتح هذه السورة بما فيه دلالة على صدق رسالته ووجوب اتباعه بوحي الكتاب إليه ، فقال الر (تِلْكَ) أي هذه السورة (آياتُ الْكِتابِ) أي القرآن (الْحَكِيمِ) [١] أي المحكم من الكذب والباطل أو الحاكم بالحلال والحرام أو على الكتب كلها بالصدق.
(أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢))
قوله (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً) الهمزة فيه لإنكار التعجب من أهل مكة الذين أنكروا نبوته وتعجبوا من بعثته روسولا إليهم من بينهم ، و (عَجَباً) خبر (كانَ) و (لِلنَّاسِ) حال منه تقدم (٥) عليه لنكارته ، واسم «كانَ» (أَنْ أَوْحَيْنا) أي أصار إيحاؤنا لأهل مكة تعجبا (إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) وهو محمد عليهالسلام واصطفاؤنا إياه بالرسالة دون عظيم من عظمائهم (أَنْ) مفسرة ، لأن الإيحاء في معنى القول أو معناه أن الشأن قولنا (أَنْذِرِ النَّاسَ) ف (أَنْ) مخففة من الثقيلة بتقدير أنه ، أي خوفهم بما في الكتاب من الوعيد (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) بما فيه من الثواب في الجنة وهو معنى قوله (أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ) أي منزلة رفيعة سابقة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أو قدم صدق ما قدموه من أعمالهم الصالحة بين أيديهم ، وقيل : «هو شفاعة محمد عليهالسلام» (٦) ، وقيل : هو السعادة السابقة لهم (٧) ، قيل : إنهم كانوا يتعجبون ويقولون ابعث الله بشرا رسولا معه كتاب من السماء (٨)(قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا) أي الكتاب وما جاء به محمد (لَساحِرٌ مُبِينٌ) [٢] أي ظاهر بين ، وقرئ «لساحر» (٩) ، أي هذا الرجل الذي يقرأ الكتاب المعجز على (لَساحِرٌ) يظهر لكل أحد له عقل ، وفيه تعزية للنبي عليهالسلام أن يصبر على أذاهم وتنبيه لمن بعده أن
__________________
(١) يونس (١٠) ، ٤٠.
(٢) انظر مفاتيح الغيب ، ١٧ / ٣ ؛ والقرطبي ، ٨ / ٣٠٤.
(٣) سكت أبو جعفر علي ألف ولام وراء سكتة خفيفة من غير تنفس. البدور الزاهرة ، ١٤٢.
(٤) الرقيب ، س م : الراقب ، م.
(٥) تقدم ، ب س : يقدم ، م.
(٦) عن أبي سعيد الخدري ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٨٧.
(٧) اختصره من البغوي ، ٣ / ١٣٦.
(٨) وهذا الرأي لابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ١٣٦.
(٩) «لساحر» : قرأ المدنيان والبصريان والشامي بكسر السين وإسكان الحاء ، والباقون بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء. البدور الزاهرة ، ١٤٢.