يعني لم يخلقه عبثا ، بل إظهارا لصنعه ودلالة على قدرته (يُفَصِّلُ الْآياتِ) بالنون لالتفات (١) للتعظيم وبالياء غيبة (٢) ، أي يبين (٣) آيات القرآن (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [٥] أي يفهمون بالعقل والتمييز فيؤمنون.
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦))
قوله (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) نزل حين قال أهل مكة للنبي عليهالسلام إئتنا بعلامة ظاهرة كما أتى بها النبيون من قبلك لنؤمن (٤) بك (٥) ، فقال تعالى : إن في مجيئ الليل وذهاب النهار وعكس ذلك (وَما خَلَقَ) أي وفيما خلق (اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من العجائب النيرات وغيرها (لَآياتٍ) أي لعلامات وعبرات (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) [٦] الله وعذابه ، وخص المتقون بالذكر ، لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى النظر في خلق الله تعالى فيؤمنون.
(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧))
ثم بين حال الغافلين عن العاقبة بقوله (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي لا يخافون سوء العاقبة لإنكارهم البعث بعد الموت الذي هو سبب لقاء الله أو لا يأملون ثوابنا في الآخرة لذلك (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) أي اختاروا القليل الفاني على الكثير الباقي (وَاطْمَأَنُّوا بِها) أي سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها (٦) فبنوا (٧) شديدا وأملوا بعيدا (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا) أي عن القرآن ومحمد (غافِلُونَ) [٧] أي معرضون أو عن أدلتنا ذاهلون فلا يعتبرون.
(أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨))
(أُولئِكَ) أي الموصوفون بهذه الصفات (مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [٨] من الكفر والتكذيب.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩))
ثم بين ما أعده للمؤمنين الصالحين بقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ) أي يرشدهم (رَبُّهُمْ) على الصراط إلى الجنة بأن يجعل لهم نورا يمشون به على الصراط إلى دخول الجنة ، قال عليهالسلام : «إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة ، فيقول : أنا عملك فيكون له نورا قائدا إلى الجنة ، والكافر إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة فيقول له : أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار» (٨) قوله (بِإِيمانِهِمْ) أي بسبب تصديقهم آياتنا في الدنيا المقرون به العمل الصالح ، يتعلق ب (يَهْدِيهِمْ) ، وقوله (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) جملة حالية من ضمير (يَهْدِيهِمْ) ، أي حال كونهم تجري بين أيديهم الأنهار بأمرهم متنعمين (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [٩] لا يخرجون عنها.
(دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠))
(دَعْواهُمْ) أي دعاؤهم وقولهم (فِيها) أي في جنات النعيم (سُبْحانَكَ اللهُمَّ) أي ننزهك تنزيها عما لا يليق بعظمتك وجلالك ، قيل : إنهم يلهمون التسبيح عند دخولهم الجنة كما يلهمون النفس (٩) ، وقيل : سبحانك اللهم علامة بينهم وبين خدامهم ، قالوه إذا طلبوا مأكلا من مآكل الجنة فيجيئون بما يشتهون ويصنعون بين أيديهم على الموائد ، كل مائدة ميل في ميل ، وعلى كل مائدة سبعون ألف صحفة ، في كل صحفة لون من
__________________
(١) لالتفات ، ب م : ـ س.
(٢) «يفصل» : قرأ االبصريان والمكي وحفص بالياء التحتية ، والباقون بنون العظمة. البدور الزاهرة ، ١٤٢.
(٣) يبين ، س م : نبين ، ب.
(٤) لنؤمن ب م : لنؤمنن ، س.
(٥) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٨٩.
(٦) عنها ، س م : ـ ب.
(٧) فبنوا ، ب س : فينبوا ، م.
(٨) انظر الكشاف ، ٣ / ٤. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٩) أخذه عن البغوي ، ٣ / ١٤٠.