(وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ)(١) ، أي بنعمه ، وقالوا كل ما مضى عليك من خير وشر فهو أيام (قُلْ فَانْتَظِرُوا) بهلاكي (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) [١٠٢] يهلاككم.
(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣))
قوله (ثُمَّ نُنَجِّي) بالتشديد دون التخفيف (٢)(رُسُلَنا) من العذاب (وَالَّذِينَ آمَنُوا) معهم منصرف معنى إلى قوله (أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا) ، يعني إذا جاءهم العذاب ينجي الله محمدا عليهالسلام ومن آمن معه دونهم ، قوله (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الإنجاء (حَقًّا) أي إنجاءا ثابتا صادقا (عَلَيْنا) يتعلق بقوله (نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) [١٠٣] بالتشديد والتخفيف.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤))
ثم أمر نبيه بأن يقول لأهل مكة بقوله (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) الذي أدعوكم إليه في صحته وسداده ، فهذا ديني ، يعني الإسلام فأعرضوه على عقولكم لتعلموا أنه دين لا مدخل للشك فيه ، فاني نظرت إلى دينكم وعرفت أنه باطل (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ) أي الأوثان والحجارة التي تعبدونها (مِنْ دُونِ اللهِ) ربكم وخالقكم (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) أي يميتكم ويقبض أرواحكم عند انقضاء آجالكم ، فهل يدل هذا على فساد ديني أم على فساد دينكم (وَ) مع ذلك (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [١٠٤] أي الموقنين على دينهم من غير انصراف عنه فلا أنصرف عنه.
(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥))
(وَأَنْ أَقِمْ) عطف على (أَنْ أَكُونَ) على (أَنْ) مصدرية ، ومنع ذلك بعض النحاة ، لأن الصلة لا بد أن تكون (٣) جملة خبرية والأمر والنهي للإنشاء فلا يصلح أن يوصل بهما ، وجوزه سيبويه ، لأن الأمر والنهي يدلان على المصدر كدلالة سائر الأفعال عليه ، فيكون عطف المصدر على المصدر ، أي وأمرت بأن أخلص (وَجْهَكَ) أي عملك (لِلدِّينِ حَنِيفاً) أي مائلا عن الأديان غيره ، حال من فاعل الأمر (٤)(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [١٠٥] أي لا ترجع عن دينك الحق إلى دينهم الباطل.
(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦))
(وَلا تَدْعُ) أي لا تعبد (مِنْ دُونِ اللهِ) أي من غيره (ما لا يَنْفَعُكَ) إن عبدته (وَلا يَضُرُّكَ) إن لم تعبده وعصيته (فَإِنْ فَعَلْتَ) أي فان عبدت غيره (فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) [١٠٦] أي الضارين أنفسهم ، أي الشكر ظلم عظيم ، قيل : الظالم من طلب النفع ممن لا يملكه لنفسه واستدفع الضرر ممن لا يملك الدفع عن نفسه (٥).
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧))
ثم قال (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ) أي إن يصبك (بِضُرٍّ) أي ببلاء قليل كالمرض والفقر (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) أي لا مزيل لما يصيبه من الضر غيره ولا يقدر الأصنام على كشفه (وَإِنْ يُرِدْكَ) الله (بِخَيْرٍ) كالصحة والسعة في الرزق (فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) أي لا مانع لعطائه الذي يريده لك (يُصِيبُ بِهِ) أي بفضله وخيره أو بكل واحد من النفع والضر (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) إذا استحق له (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [١٠٧] بمغفرة ذنوب المؤمنين وبقبول حسناتهم منهم.
__________________
(١) إبراهيم (١٤) ، ٥.
(٢) «ننجي» : قرأ يعقوب باسكان النون الثانية وتخفيف الجيم ، وغيره بفتح النون وتشديد الجيم. البدور الزاهرة ، ١٥١.
(٣) أن تكون ، ب : أن يكون ، س م.
(٤) حال من فاعل الأمر ، ب س : ـ م.
(٥) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.