سورة هود
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١))
(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) نزل بعد ختم يونس بالأمر بالإيمان واتباع الموحى والصبر عليه لنفي الشرك وبيان الموحى المحكم المفصل والعمل به ، أي أنا الله الرقيب على كل شيء هذا المنزل كتاب أحكمت آياته ، أي من الاختلاف والتناقض أو أحكمتها بالأمر والنهي وبما يحتاج إليه العباد (ثُمَّ فُصِّلَتْ) أي بينت وشرحت بدلائل التوحيد وأحكام الحلال والحرام والمواعظ والقصص والأمثال أو فرقت في التنزيل آية فآية وسورة فسورة ، ولم تنزل جملة واحدة ، و (ثُمَّ) لتراخي الوصف لا لتراخي الوقت كما يقال فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل ، قوله (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [١] يتعلق ب (أُحْكِمَتْ) و (فُصِّلَتْ) ، أي أتقنت وفسرت من عند إله حكيم في الاتقان خبير في التفسير والبيان.
(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢))
(أَلَّا تَعْبُدُوا) مفعول له ، أي لأن توحدوا ولا تطيعوا (إِلَّا اللهَ) ف «أن» ناصبة للفعل ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هي أن لا تعبدوا غير الله ، ف «أن» مخففة من الثقيلة ، ويجوز أن يكون مفسرة ، لأن في تفصيل الآيات معنى القول ، أي قيل : لا تعبدوا إلا الله فلا نهي في الوجهين أو مفعول به ، أي بأن لا تعبدوا فهو في محل الجر بتقدير الباء ، قوله (إِنَّنِي) مقول قول مقدر ، أي قل يا محمد لهم إنني (لَكُمْ مِنْهُ) أي من جهة الله (نَذِيرٌ) أي مخوف من عذابه لمن كفر (وَبَشِيرٌ) [٢] بالجنة لمن آمن.
(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣))
قوله (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا) يجوز أن يعطف على «أن لا تَعْبُدُوا» ، أي وحدوا (رَبَّكُمْ) بالاستغفار من الشرك ، لأن التوبة تكون من الشرك أيضا خلافا للمعتزلة ، لأن عندهم لا تصح التوبة إلا بعد الإيمان ففسروا «استغفروا ربكم» بآمنوا به (ثُمَّ تُوبُوا) أي ارجعوا (إِلَيْهِ) بالطاعة وترك المعصية أو استغفروا بالتوبة ثم استقيموا عليها ، قال الفراء : «ثم» هنا بمعنى الواو (١) ، لأن الاستغفار توبة ، أي توبوا إليه باللسان وارجعوا إليه بالإخلاص أو معناه استغفروا من ماضي الذنوب وتوبوا من مستقبلها (يُمَتِّعْكُمْ) أي يعيشكم في الدنيا (مَتاعاً حَسَناً) أي عيشا طيبا (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى حين الموت ، قيل : العيش الطيب هو الرضا بالميسور والصبر على المقدور (٢)(وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي ويعط كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره في الآخرة ، قيل : «من كثرت طاعاته
__________________
(١) انظر البغوي ، ٣ / ١٩٠.
(٢) أخذه عن البغوي ، ٣ / ١٩٠.