في الدنيا زادت درجاته في الجنة» (١) ، لأن الدرجات تكون بالأعمال ، قال ابن عباس : «من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن زادت سيئاته على حسناته دخل النار ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أهل الأعراف ثم يدخل الجنة بعده بالفضل» (٢)(وَإِنْ تَوَلَّوْا) أصله أن تتولوا ، أي أن تعرضوا عن الإيمان (فَإِنِّي) أي فقل إني (أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) [٣] أي عذاب يوم القيامة.
(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤))
(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) أي مصيركم في الآخرة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [٤] أي قادر على أن يبعثكم بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم.
(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٥))
قوله (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) نزل تنبيها للنبي عليهالسلام والمؤمنين عن حال من كان إذا مر برسول الله وهو يقرأ القرآن ثنى صدره وطأطأ رأسه وغطى نفسه بثيابه لئلا يعرفهم النبي عليهالسلام ولئلا يسمعوا قراءته كراهة لها وهم كفار مكة (٣) ، وقيل : نزل في شأن المنافقين (٤) ، أي اعلموا أن الكفار يزورون عن الحق ويميلون عنه بامالة صدورهم عن النبي عليهالسلام وإرخاء الستر عليهم بثيابهم (لِيَسْتَخْفُوا) أي ليستتروا (مِنْهُ) أي من النبي عليهالسلام ، يعني لئلا يعرفه ولا يسمعوا كتاب الله ولا ذكره (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ) أي يغطون (ثِيابَهُمْ) على رؤسهم (يَعْلَمُ) الله (ما يُسِرُّونَ) من العداوة في قلوبهم (وَما يُعْلِنُونَ) بألسنتهم من الكلام ، قيل (٥) : منهم أخنس بن شريق ، فانه كان يظهر المحبة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وله حلو الكلام وحسن المنظر ، وتعجب النبي عليهالسلام مجالسته ومحادثته وهو يضمر خلاف ما يظهر (٦) ، والله مطلع على ما في نفسه ونفس غيره مخبر عن ذلك بقوله تعالى (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [٥] أي بما في قلوبهم من الخير والشر فيجازيهم به.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦))
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) «من» صلة ، أي زائدة ، والدابة كل حيوان يدب على وجه الأرض ، أي ما دابة من الدواب (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) أي ضامن لرزقها بمعنى أنه يوصله إليها وجوبا لا أنه لم يرزقها حتى تموت جوعا ، فحيثما توجهت يرزقها هو ، وفي (عَلَى) معنى الوجوب ، والرزق من باب التفضل ، لكنه لما تفضل برزق كل شيء من الدواب صار التفضيل منه تعالى كنذور العباد ، وقيل : (عَلَى) بمعنى «من» (٧) ، أي من الله رزقها (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) أي مكانها ومسكنها ليلا أو نهارا (٨)(وَمُسْتَوْدَعَها) أي ويعلم الموضع الذي تموت وتدفن فيه ، وقيل : مستقرها الأرحام (٩) أو الأصلاب (١٠) أو البيضات (كُلٌّ) أي كل واحد من الرزق والمرزوق والمستقر والمستودع وبيان غيرها من الأشياء (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [٦] أي مثبت في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقها فلا يفوت منه شيء.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))
__________________
(١) عن أبي العالية ، انظر البغوي ، ٣ / ١٩٠.
(٢) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ١٩٠.
(٣) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١١٧ ؛ والبغوي ، ٣ / ١٩١.
(٤) عن عبد الله بن شداد ، انظر البغوي ، ٣ / ١٩١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٣٠.
(٥) إنها نزلت في المنافقين ، + س.
(٦) نقله عن الكشاف ، ٣ / ٣٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ١٩١.
(٧) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ١٩٢.
(٨) أو نهارا ، ب س : ونهارا ، م.
(٩) عن ابن مسعود ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١١٧ ؛ والبغوي ، ٣ / ١٩٢.
(١٠) عن عطاء وسعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٣ / ١٩٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١١٧.