(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي من أيام الآخرة ، قاله ابن عباس (١) أو من أيام الدنيا قاله الحسن (٢)(وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) قبل خلق السموات والأرض ، لأنه لم يكن تحت العرش سوى الماء وكان ذلك على متن الريح ، قيل : «خلق الله ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء ، ثم خلق السموات والأرض وخلق القلم واللوح فكتب فيه به ما هو كائن من خلقه ، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه» (٣) ، فالمعنى : أن العرش كان على الماء قبل خلق كل شيء ولا دليل فيه على قدم الماء لقوله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ)(٤) ، قوله (لِيَبْلُوَكُمْ) يتعلق ب (خَلَقَ) ، أي خلق السموات والأرض لحكمة بالغة ، وهي أن يجعلها مساكن لعباده وينعمهم بأنواع النعم ويكلفهم بالأمر والنهي ، فمن شكر وأطاع أثابه بالجنة ، ومن كفر وعصى عاقبه بالنار ، ولما كان ذلك مشابها باختيار المختبر قال (لِيَبْلُوَكُمْ) ، أي ليختبركم كاختبار المبتلي لأحوالكم (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي أتم عقلا وأزهد في الدنيا أو أخلص دينا وأسرع طاعة وأورع معصية أيها المؤمنون ، وخصهم بالذكر تشريفا لهم وطرح ذكر غيرهم تحقيرا لهم ، لأنه ليسوا أهلا للطف الخطاب اللطيف ولأن أعمال المؤمنين تتفاوت إلى حسن وأحسن دون أعمال الكافرين ، والاختبار من الله إظهار ما يعلم من أسرار خلقه ولتضمنه معنى العلم جاز تعليق فعل البلاء من العمل في (أَيُّكُمْ) بالرفع ، ثم قال لنبيه عليهالسلام (وَلَئِنْ قُلْتَ) لهم يا محمد (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) يوم القيامة (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أهل مكة (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [٧] بغير الألف (٥) ، أي ما هذا القرآن إلا كذب باطل عيانا لاستحالة خبره بالبعث ظاهرا ، وقرئ «ساحرا» بالألف (٦) ، أي كاذب مبطل.
(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨))
(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) أي عن كفار مكة كعذاب يوم بدر أو كقتل جبرائيل المستهزئين (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) أي إلى أجل معلوم (لَيَقُولُنَّ) أي الكافرون تكذيبا واستهزاء (ما يَحْبِسُهُ) أي أي شيء يمنع العذاب عن المجيء ، يقولونه استعجالا له ظاهرا ، ويعنون أنه ليس بنازل ، فقال تعالى (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) العذاب (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) أي ليس أحد يصرف العذاب عنهم إذا نزل بهم في الدنيا أو في الآخرة (وَحاقَ) أي نزل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [٨] أنه ليس بنازل بهم أو وباله وجزاؤه ، قوله (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) ظرف منصوب ب (مَصْرُوفاً)
__________________
(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ١١٧.
(٢) انظر السمرقندي ، ٢ / ١١٧.
(٣) عن كعب ، انظر البغوي ، ٣ / ١٩٣. «وقال ابن كثير : «والحوت في الماء والماء على صفات والصفات على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح ، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت. وخلق الله يوم الثلاثاء الجبال وما فيهن من المنافع ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب وفتق السماء وكانت رتقا فجعلها سبع سموات في يومين الخميس والجمعة ، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض ، «وأوحى في كل سماء أمرها». ثم قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والبحار وجبال البرد وما لا يعلمه غيره. ثم زين السماء الكواكب فجعلها زينة وحفظا يحفظ من الشياطين ، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش. هذا الإسناد يذكر به السدي أشياء كثيرة فيها غرابة ، وكان كثير منها متلقى من الإسرائليات. فان كعب الأحبار لما أسلم في زمن عمر كان يتحدث بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأشياء من علوم أهل الكتاب فيسمع له عمر تأليفا له وتعجبا مما عنده مما يوافق كثير منه الحق الذي ورد به الشرع المطهر فاستجاز كثير من الناس نقل ما يورده كعب الأحبار لهذا ، ولما جاء من الاذن في التحديث عن بني إسرائليات لكن كثيرا ما يقع مما يرويه غلط كبير وخطأ كثير.» انظر البداية والنهاية ، ١ / ١٥.
(٤) الحديد (٥٧) ، ٣.
(٥) بغير الألف ، م : ـ ب س.
(٦) «سحر» : قرأ الأخوان وخلف بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء ، والباقون بكسر السين وحذف الألف وإسكان الحاء. البدور الزاهرة ، ١٥٢.