وبالفتح (١) ، لأن أصله يا أبتاه (إِنِّي رَأَيْتُ) في المنام من الرؤيا (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) أي نجما من نجوم السماء ، ونصب (كَوْكَباً) تمييز (وَ) رأيت (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أيضا فيه ، وإنما أخر الشمس والقمر بالعطف على الكواكب بيانا لفضلهما على غيرهما ، ويجوز أن يكون الواو بمعنى مع في المفعول عند من قال به.
قيل : «جاء يهودي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد! أخبرني عن النجوم التي رآهن يوسف فسكت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزل جبرائيل عليهالسلام فأخبره بذلك ، فقال عليهالسلام لليهودي : إن أخبرتك هل تسلم؟ قال : نعم ، قال عليهالسلام : حريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروج والفرغ ووثاب وذو الكتفين ، رآها يوسف والشمس والقمر ، نزلت من السماء وسجدن له ، فقال اليهود : إي والله انها لأسماؤها» (٢).
ثم استأنف على تقدير كيف رأيتهم بقوله (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [٤] نصب على الحال من ضمير المفعول وجمعهم جمع العقلاء ، لأنه أخبرهم عنهم بفعل من يعقل وهو السجود وكان النجوم في التأويل إخوته ، وكانوا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم» ، والشمس أبوه والقمر أمه» (٣) ، قاله قتادة ، وقال ابن جريج : «القمر أبوه والشمس أمه» (٤) ، لأن الشمس مؤنث والقمر مذكر ، وكان يوسف ابن اثنتي عشرة سنة حين رأى هذه الرويا ليلة القدر في ليلة الجمعة.
(قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥))
فلما قصها على أبيه (قالَ) له أبوه (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) بواو ساكنة وبهمزة ساكنة (٥) قبل ألف التأنيث يختص برؤية المنام ، والرأي بالقلب والرؤية بالعين ، وجواب النهي قوله (فَيَكِيدُوا لَكَ) أي فيحتالوا في إهلاكك (كَيْداً) أي مكرا قويا بتزيين الشيطان ، لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدونك ، واللام في (لَكَ) صلة لتأكيد التخويف بأبلغ التأكيد فيه ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر بعده ، وفعله منصوب باضمار «أن» بعد الفاء (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [٥] أي ظاهر العداوة تحملهم على الكيد بعداوته القديمة ، قال صلىاللهعليهوسلم : «الرؤيا الصالحة من الله ، فاذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فلا يحدث به ، وليتفل ثلاثا عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من شر ما رأى فانها لن تضره» (٦) ، وقال : «الرؤيا الصالحة جزء من أربعين أو ست وأربعين جزء من النبوة وهي على رجل طائر ، فاذا حدث بها وقعت ـ قال الراوي أحسبه قال ـ لا تحدث بها إلا حبيبا أو لبيبا» (٧).
(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦))
(وَكَذلِكَ) من مقول يعقوب ليوسف ، أي ومثل ذلك الاجتباء الذي اجتباك للرؤيا ورفع منزلتك بها (يَجْتَبِيكَ) أي يصطفيك (رَبُّكَ) لما هو أعظم منها (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) جمع أحداث ، وهو جمع حديث وليس بجمع أحدوثة ، إذ لا يقال أحدوثة النبي كذا ، والمراد من الأحاديث هنا الرؤى جمع الرؤيا ومن تأويلها تعبيرها بما يؤول إليه أمرها عاقبة (٨)(وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوة وإظهار الإسلام (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) أي
__________________
(١) «يا أبت» : قرأ ابن عامر وأبو جعفر بفتح التاء ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ١٦٠.
(٢) عن جابر ، انظر الكشاف ، ٣ / ٦٣.
(٣) انظر البغوي ، ٣ / ٢٥٥.
(٤) انظر البغوي ، ٣ / ٢٥٥.
(٥) «رؤياك» : قرأ السوسي بابدال الهمزة واوا ساكنة ، وقرأ أبو جعفر بابدال الهمزة واوا مع قلبها ياء وإدغامها في الياء بعدها فيصير النطق بياء واحدة مفتوحة مشددة. البدور الزاهرة ، ١٦٠.
(٦) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٥ / ٣٠٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٢٥٦.
(٧) روى البخاري نحوه ، التعبير ، ٢ ، ٤ ، ١٠ ، ٢٦ ؛ ومسلم ، الرؤيا ، ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ؛ وأحمد بن حنبل ، ٤ / ١٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٢٥٦.
(٨) عاقبة ، م : ـ ب س.