(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦))
ونزل فيمن يخلط الإيمان بالشرك (١)(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ) في إقراره (بِاللهِ) وبأنه خلقه وخلق السموات والأرض (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [١٠٦] به وهم أهل الكتاب ، لأنهم إذا سئلوا من خلق السموات والأرض؟ قالوا : الله ، وإذا قيل لهم من ينزل القطر؟ قالوا : الله ، ومع ذلك يعبدون الأصنام فمعهم شرك وإيمان ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : «هم المشركون من العرب ، كانوا يقولون في التلبية لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك» (٢).
(أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧))
ثم قال تعالى (أَفَأَمِنُوا) أي أكفر أهل مكة أفأمنوا من (أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) أي عذاب من اله يغشاهم في الدين (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي فجأة ، نصب على الحال (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [١٠٧] إتيانها ، قال ابن عباس : «تهيج الصيحة بالناس وهم في أسواقهم» (٣).
(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨))
ثم قال لنبيه عليهالسلام تنبيها على دين الحق ونفي الشرك (٤)(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) أي هذه الدعوة التي أدعوا إليها ، يعني الدعوة إلى الإيمان والشرائع طريقتي وسنتي (أَدْعُوا) الناس بها (إِلَى اللهِ) أي إلى دينه (عَلى بَصِيرَةٍ) أي مع يقين وحجة واضحة ، وهو نصب على الحال وعاملها (أَدْعُوا) ، و (أَنَا) تأكيد للضمير في «أَدْعُوا» (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) باثبات الياء فيه إجماعا عطف على ذلك الضمير للفصل ، يعني أدعوا الخلق إلى الله ويدعوهم إليه من آمن بي على بصيرة ، أي معرفة يميز بها بين الحق والباطل ، ويجوز أن يكون (أَنَا) فاعلا لقوله (عَلى بَصِيرَةٍ) و (مَنِ) عطفا عليه ، وقيل : تم الكلام عند قوله (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) ثم استأنف على بصيرة أنا ومن اتبعني على نية التأخير ، أي أنا ومن آمن بي على (بَصِيرَةٍ) من الإيمان (٥) ، قيل : هم أصحاب رسول الله ، لأنهم كانوا على أحسن طريقة وأفضل هداية ، وكانوا معدن العلم وكنز الإيمان وجند الرحمن (٦) ، قاله ابن عباس (وَ) قل (سُبْحانَ اللهِ) تنزيها له عما أشركوا (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [١٠٨] فكذا من اتبعني ليس من المشركين.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩))
وقال كفار مكة الرسول ينبغي أن يكون من الملائكة لا من البشر فنزل (٧)(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) من البشر لم يكونوا من الملائكة (نُوحِي إِلَيْهِمْ) بالنون معلوما وبالياء مجهولا (٨)(مِنْ أَهْلِ الْقُرى) أي من أهل الأمصار ، لأنهم أعقل وأحلم. قيل : لم يبعث الله نبيا من أهل البادية لغلظهم ، غلبة الجفاء والقسوة فيهم ، ولا من الجن لقوتهم وميلهم إلى الفساد ، ولا من النساء لغلبة جهلها ونقصان عقلها (٩)(أَفَلَمْ يَسِيرُوا) أي أكذب هؤلاء المكذبون فلم يسافروا (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) أي فيعتبروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي آخر أمرهم من الأمم المكذبة للأنبياء فيتعظوا فيؤمنوا (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) أي الجنة (خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك فآمنوا (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [١٠٩] بالياء
__________________
(١) اختصره من الكشاف ، ٣ / ٩٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٣١.
(٢) انظر البغوي ، ٣ / ٣٣١.
(٣) انظر البغوي ، ٣ / ٣٣١.
(٤) ثم قال لنبيه عليهالسلام تنبيها على دين الحق ونفي الشرك ، ب س : ـ م.
(٥) وهذا منقول عن البغوي ، ٣ / ٣٣٢.
(٦) قد أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٣٢.
(٧) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٧٩.
(٨) «نوحي» : قرأ حفص بالنون وكسر الحاء ، والباقون بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ١٦٨.
(٩) نقله عن الكشاف ، ٣ / ٩٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣.