(لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) [٣٨] أي لكل وقت حكم يكتب على العباد ، يعني كل شيء قضاه الله على خلقه في اللوح ، يجب أن يكون في وقت معلوم (١) لا يزاد عليه ولا ينقص منه أو لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، وقيل : لكل كتاب من الكتب المنزلة وقت معلوم لله ينزل فيه ، فهذا من الكلام الذي فيه تقديم وتأخير (٢).
(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩))
(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من الفرائض والشرائع فينسخه (وَيُثْبِتُ) ما يشاء منها فلا ينسخه ، قرئ مخففا ومشددا (٣) ، وقيل : يمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا بسيئة ، لأنهم مأمورون بكتبة كل قول وفعل ويثبت غير ذلك (٤) ، قالت عائشة رضي الله عنها : «إن الحفظة إذا رفعت ديوان العبد ، فان كان في أوله وآخره خير يمحو الله ما بينهما من السيئات وإن لم يكن في أوله وآخره حسنات يثبت ما فيه من السيئات» (٥) ، وقيل : يمحو الله المعرفة عن قلب من يشاء ويثبت في قلب من يشاء (٦) ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : «يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة والرزق والأجل» (٧) ، وقال ابن عمر وابن مسعود : «يمحو الله السعادة والشقاوة والرزق والأجل ويثبت ما يشاء» (٨) ، روي : أن ابن عمر كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : «اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فاثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني على الشقاوة فامحني واثبتني في أهل السعادة والمغفرة ، فانك تمحو ما تشاء وتثبت» (٩)(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [٣٩] أي أصله الذي كتب فيه كل شيء قبل أن يخلق الخلق ، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير ، وقيل : «عنده كتابان كتاب سوى أم الكتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت وأم الكتاب الذي لا يغير منه شيء» (١٠) ، قال ابن عباس : «إن لله لوحا محفوظا ميسرة خمسمائة عام من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت لله فيه كل يوم ثلثمائة وستون لحظة يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب» (١١).
(وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠))
(وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ) شرط و (ما) زائدة لتأكيده ، أي إن نرينك (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) أي بعض الموعود لهم من العذاب والمصائب النازلة بهم بسبب تكذيبهم وأنت حي (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) أي نميتك قبل ذلك ، كيف ما دارت الحال (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) أي فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة لا غير (وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [٤٠] أي الجزاء يوم القيامة لا عليك فلا يهمنك إعراضهم ولا تستعجل بعذابهم ، قال ابن عباس رضي الله : «فانما عليك البلاغ نسخ بآية السيف» (١٢).
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١))
(أَوَلَمْ يَرَوْا) أي أيكذب أهل مكة الذين يسألون الايات محمدا ولم يبصروا (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) أي نأخذ الإسلام أرض الكفر (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أي نفتحها من نواحيها باهلاك أهلها وتخريبها ، ونزيد في دار الإسلام ، وذلك من آيات النصرة والغلبة ، فان ما زاد في دار الإسلام قد نقص من دار الشرك أفلا يعتبرون بذلك فيؤمنون أو أفلا يخافون أن يفعل بهم ذلك ، وقيل معناه : ألم ير الناس أنا ننقص الأرض من نواحيها بموت
__________________
(١) أي لكل وقت حكم يكتب على العباد يعني كل شيء قضاه الله على خلقه في اللوح يجب أن يكون في وقت معلوم ، ب : أي لكل وقت حكم يكتب على العباد يعني كل شيء قضاه الله على يجب أن يكون على خلق الله في وقت معلوم ، س ، أي لكل شيء قضاه الله وقت مكتوب مقلوم ، م.
(٢) اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٦١.
(٣) «ويثبت» : قرأ المكي والبصريان وعاصم باسكان الثاء وتخفيف الباء ، والباقون بفتح الثاء وتشديد الباء. البدور الزاهرة ، ١٧١.
(٤) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٣ / ١٠٩.
(٥) انظر السمرقندي ، ٢ / ١٩٧.
(٦) نقله المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ١٩٧.
(٧) انظر السمرقندي ، ٢ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٦١.
(٨) انظر البغوي ، ٣ / ٣٦١.
(٩) انظر البغوي ، ٣ / ٣٦١.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣.
(١١) انظر البغوي ، ٣ / ٣٦٣.
(١٢) انظر في هذا الموضوع ابن الجوزي ، ٤٠ ؛ وابن البارزي ، ٣٧.