العلماء وذهاب الفقهاء وخيار أهلها فتخرب الأرض باتخاذ الناس الجهال رؤساء (١) ، قال عليهالسلام : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فسألوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا» (٢) ، وقال الحسن : «موت العلماء ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار» (٣) ، قيل لسعيد ابن جبير : ما علامة هلاك الناس؟ قال : «هلاك علمائهم» (٤)(وَاللهُ يَحْكُمُ) بالغلبة والإقبال للإسلام وبالقهر والإدبار على الكفر (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) وهو في محل النصب على الحال ، أي : نافذا حكمه ، يعني لا راد لقضائه ولا ناقض لحكمه (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [٤١] أي عن قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا.
(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢))
(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قبل مشركي مكة رسلهم كما مكر هؤلاء بمحمد عليهالسلام ، والمكر إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) أي يجازيهم جزاء مكرهم لا يغلبه أحد على مراده ، وهو كالعدم عنده وصفهم بالمكر أولا ، ثم جعل مكرهم كلا مكر بالنسبة إلى مكره ، لأنه يبطل كل مكر الكفار وينصر أنبياءه (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) صالحة وطالحة فيجازيها عليه (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ) مفردا وجمعا (٥)(لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) [٤٢] أي الدار الآخرة وهي الجنة حين يدخلون النار والمؤمنون الجنة ، وهذا مع ما قبله تهديد لهم.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣))
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة وأهل الكتاب ككعب بن الأشرف وأصحابه (لَسْتَ مُرْسَلاً) من الله لدعوة الخلق إليه (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي كفى الله شاهدا لي باظهار المعجزة على صدقي (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي بين مقالتي ومقالتكم (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) [٤٣] أي أهل الكتابين ، محله رفع عطف على الله بالفاعلية ، وعلم الكتاب مرفوع بالمقدر في الظرف الواقع صلة للموصول فاشبه الفعل في العمل بسبب الاعتماد على الموصول ، يعني وشهد أيضا مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ، لأنهم وجدوا نعته في كتبهم ، وقيل : جبريل (٦) ، وقيل : «هو الله تعالى» (٧) ، والكتاب اللوح المحفوظ فعلى هذا المعنى كفي بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم علم ما في اللوح إلا شهيدا بيني وبينكم ، فالثاني تأكيد للأول.
__________________
(١) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٩٧ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٦٤.
(٢) انظر البغوي ، ٣ / ٣٦٤.
(٣) انظر البغوي ، ٣ / ٣٦٤.
(٤) انظر البغوي ، ٣ / ٣٦٤.
(٥) «الكفار» : قرأ الشامي والكوفيون ويعقوب بضم الكاف وفتح الفاء وتشديدها وألف بعدها علي الجمع ، والباقون بفتح الكاف وألف بعدها وكسر الفاء علي الإفراد. البدور الزاهرة ، ١٧١.
(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٧) عن الحسن ومجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٦٥.