عليهالسلام بعث إلى كافة الخلق لا إلى العرب وحدهم ، أجيب بأن أولى الألسنة لسان قومه ، لأنهم أقرب إليه ، فاذا فهموا عنه وتبينوه وانتشر عنهم قامت التراحم نائبة عن بيانه وتفهيمه ، روي : أنه عليهالسلام بعث الرسل إلى الأطراف يدعونهم إلى الله تعالى ويترحمون لهم بألسنتهم (١) ، فكان العرب أصلا في البعث إليهم وسائر الناس تبعا لهم (لِيُبَيِّنَ) الرسول (لَهُمْ) أي للعرب وغيرهم ما يجب عليهم لئلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولوا لم نفهم ما خوطبنا به ، والترجمة تنوب عن نزول القرآن بجميع الألسنة كما ذكرنا ، فتلزم الحجة جميع الخلق (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) منهم بعد البيان عن الهدى (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إليه ، أي من كان أهلا له (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه لا يغلب عن مراده (الْحَكِيمُ) [٤] في أمره من الضلالة والهداية.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) أي بعلامات وحدانيتنا كاليد والعصا ، قوله (أَنْ أَخْرِجْ) بمعنى ، أي أدع ، ف (أَنْ) مفسرة ، لأن في الإرسال معنى القول (قَوْمَكَ) أي أمتك (مِنَ الظُّلُماتِ) أي الكفر والشك والجهل (إِلَى النُّورِ) أي إلى الإيمان واليقين والعلم بالشرائع والأحكام (وَذَكِّرْهُمْ) أي عظهم وخوفهم (بِأَيَّامِ اللهِ) أي بأيام الخير والشر السابقة النازلة على الأمم الماضية ليرهبوا من بأس الله ويرغبوا في طاعة الله ، فالمراد من ال «أيام» وقائع الله ونعمه في الأمم السالفة ، يقال فلان عالم بأيام العرب ، أي بوقائعهم من النعمة والمحنة ، فاكتفي بذكر الأيام عنه ، لأنها كانت معلومة عندهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما أنعمت عليهم من كثرة النعم ، ثم فعلت بهم ما فعلت من النقم لتركهم الشكر لي (لَآياتٍ) أي لعبرات (لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [٥] أي الكثير الصبر والكثير الشكر ، والمراد كل مؤمن مخلص ، لأن الصبر والشكر من خصالهم.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦))
(وَإِذْ قالَ مُوسى) أي اذكر وقت قوله (لِقَوْمِهِ) بني إسرائيل (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) قوله (إِذْ أَنْجاكُمْ) ظرف لل (نِعْمَةَ) بمعنى الإنعام أو لقوله (عَلَيْكُمْ) ، أي اذكروا نعمة الله مستقرة عليكم وقت إنجائكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي منه ومن آله (يَسُومُونَكُمْ) أي يعذبونكم (سُوءَ الْعَذابِ) أي بأشده (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) بالواو ليدل على أن التذبيح مستقل في التعذيب سوى سوء العذاب ، وذكره في سورة البقرة بغير واو (٢) ليكون تفسيرا لسومهم ، أي ويقتلون أبناءكم الصغار خوفا عليهم (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي يتركونهن أحياء لاستخدامهن (وَفِي ذلِكُمْ) أي وفي فعلهم المذكور بكم (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [٦] أي بلية عظيمة من خالقكم ، لأنه مكنهم وأمهلهم حتى فعلوا ما فعلوا بهم ابتلاء أو في إنجاء الله إياكم من ذلك العذاب نعمة عظيمة لكم ، فاشكروه ولا تكفروه ، فالبلاء بمعنى النعمة.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧))
قوله (وَإِذْ تَأَذَّنَ) محله نصب ، لأنه عطف على (نِعْمَةَ اللهِ) ، أي قال موسى واذكروا إذ أعلم إعلاما بليغا (رَبُّكُمْ) وقال لكم ترغيبا وترهيبا (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) نعمتي يا بني إسرائيل فآمنتم وأطعتم (لَأَزِيدَنَّكُمْ) في النعمة ، قيل : الشكر قيد الموجود وصيد المفقود (٣)(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) أي جحدتم نعمتي ولم تشكروها (إِنَّ عَذابِي) بكم في الآخرة (لَشَدِيدٌ) [٧] أي لقوي لا يطاق عليه لمن كفر نعمتي.
__________________
(١) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٣٦٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١١٢.
(٢) انظر البقرة (٢) ، ٤٩.
(٣) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٦٧.