(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨))
قوله (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) ظرف ل (انتِقامٍ) أو نصب باذكر مقدرة ، أي اذكر يا محمد يوم تغير الأرض (غَيْرَ الْأَرْضِ) أي بغيرها ، وهي أرض جديدة لم يكن عليها بنو آدم بيضاء نقية لم يعمل فيها بالفساد والمعاصي وتكون من فضة خالصة كالصحائف ، وقيل : «تبدل بخبزة بيضاء فيأكل المؤمنون من تحت أقدامهم حتى يفرغ عن الحساب» (١) ، قال عليهالسلام : «تكون الأرض يومئذ خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة» (٢) ، وقيل : تبديلها تغييرها من هيئة إلى هيئة وهو تسيير جبالها وتسوية أوديتها وقطع أشجارها وجعلها قاعا صفصفا (٣)(وَالسَّماواتُ) أي وتبدل السموات بغيرها وهي سماء جديدة من هذب بلا شمس وقمر وسائر النيرات ، وقيل : تغيير حالها بتكوير شمسها وخسوف قمرها وانتشار نجومها وكونها مرة كالدهان ومرة كالمهل (٤) ، وانشقاقها وكونها أبوابا ومطوية كالسجل ، وقيل : جعلت الأرض نيرانا والسموات جنانا (٥) ، وسألت عائشة رسول الله عليهالسلام أين يكون الناس «يوم تبدل الأرض غير الأرض»؟ قال عليهالسلام : على الصراط» (٦) ، وقيل : سأله حبر من أحبار اليهود عن ذلك ، فقال عليهالسلام : «هم في الظلمة دون الجسر» (٧)(وَبَرَزُوا) أي وخرجوا من قبورهم (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [٤٨] أي الغلاب على خلقه فيصعب الأمر عليهم في غاية الصعوبة والشدة ، لأن الملك إذا كان لواحد غلاب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار.
(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩))
(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين من رؤية العين (يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ) أي مشدودين (فِي الْأَصْفادِ) [٤٩] أي في القيود ، جمع صفد وهو القيد ، حال من (الْمُجْرِمِينَ) ، يعني يقرن بعضهم مع بعض أو يقرنون مع شياطينهم ، وقيل : تشد أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال (٨).
(سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠))
(سَرابِيلُهُمْ) جمع سربال وهو القميص ، أي قمصهم (٩)(مِنْ قَطِرانٍ) وهو المائع الذي يطلى به الإبل الجرباء لتشفي من جربها ، لأنه يحرق الجرب بحره ، وفيه ثلاث لغات ، فتح القاف وكسرها مع سكون الطاء وفتحها مع كسر الطاء (١٠) ، قيل : تطلى به جلود الكفار فتصير قمصا (١١) لهم فيضطرم (١٢) عليهم نارا (١٣) ، لأن من شأنه أن يسرع به اشتعال النار (وَتَغْشى) أي تعلو (وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [٥٠] وهم لا يمتنعون منها.
(لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١))
قوله (لِيَجْزِيَ) اللام فيه لام كي ، يتعلق بقوله (بَرَزُوا) ، أي ليعاقب (اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) من خير وشر (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [٥١] أي إذا حاسب ، فحسابه سريع.
__________________
(١) ذكر نحوه محمد بن كعب وسعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٠.
(٢) أخرجه البخاري ، الرقاق ، ٤٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٩٠.
(٣) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٩٠.
(٤) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٣٩٠.
(٥) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٩٠.
(٦) رواه مسلم ، المنافقين ، ٢٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢١١ ـ ٢١٢ ؛ والبغوي ، ٣ / ٣٩٠.
(٧) أخرجه مسلم ، الحيض ، ٣٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٩٠.
(٨) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٩١.
(٩) قمصهم ، ب م : قميصهم ، س.
(١٠) أخذ المفسر هذه القراءة عن الكشاف ، ٣ / ١٢٦.
(١١) قمصا ، ب : قميصا ، س م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ١٢٦.
(١٢) فيضطرم ، س م : فتضطرم ، ب.
(١٣) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ١٢٦.