سورة الحجر
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١))
(الر) أي أنا الله الرقيب على كل شيء (تِلْكَ) أي هذه (آياتُ الْكِتابِ) الكامل في كونه كتابا معجزا (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) [١] أي بين حلاله وحرامه ورشده ونصحه ، وتنكيره للتفخيم وعطفه على (الْكِتابِ) وإن كان هو لبيان كونه جامعا للكمال في بيان الحق من الباطل ، وقيل : المراد من (الْكِتابِ) التورية والإنجيل وبالقرآن ما أنزل على محمد عليهالسلام (١) ، وقيل : الواو للقسم (٢).
(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢))
(رُبَما) بالتخفيف والتشديد (٣) ، و «رب» للتقليل يدخل على الاسم ومع ما يدخل على الفعل الماضي ، يقال رب رجل جاءني وربما جاءني رجل ، وهي كافة أو نكرة موصوفة ودخلت هنا على المستقبل ، وهو (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لأن إخباره تعالى عن الآتي صدق فصار كالماضي في تحققه ، أي رب يوم أو حال يتمنى الكافرون (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [٢] في الدنيا ، و (لَوْ) بمعنى «أن» المصدرية ، أي الإسلام وذلك إذا عاينوا يوم القيامة أو يوم الموت أو حال من أسلم عند دخوله (٤) الجنة أو وقت الشفاعة ، قال عليهالسلام : «لا يزال الرب يرحم ويشفع إليه حتى يقول من كان من المسلمين فليدخل الجنة فيتمنون الإسلام» (٥) ، والمشهور أنه حين يخرج الله المسلمين من النار وأدخله الجنة فعند ذلك تمنى الكافر أنه كان مسلما في الدنيا ، عن موسي الأشعري عن النبي عليهالسلام قال : «إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة ألستم مسلمين؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وأنتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيغضب الله لهم بفضله ورحمته فيأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار ، فيخرجون منها حينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين» (٦) ، قيل : ربما للتقليل ، وهذا التمني يكثر من الكفار (٧) ، أجيب بأن شغلهم بالعذاب لا يفرغهم للندامة ، وإنما يخطر ذلك ببالهم أحيانا.
(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣))
ثم قال الله تعالى لنبيه عليهالسلام (ذَرْهُمْ) أي اتركهم (يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) في الدنيا من لذاتها (وَيُلْهِهِمُ) أي يشغلهم (الْأَمَلُ) عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [٣] سوء صنيعهم إذا وردوا القيامة وذاقوا وبال كفرهم وعملهم القبيح ، وهذا تهديد عظيم لهم ولا شك أن التمتع بلذات الدنيا والركون إليها من
__________________
(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٣٩٢.
(٢) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٣) «ربما» : قرأ المدنيان وعاصم بتخفيف الباء ، والباقون بتشديدها. البدور الزاهرة ، ١٧٥.
(٤) دخوله ، ب س : دخول ، م.
(٥) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٦) انظر البغوي ، ٣ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.
(٧) أخذه المصنف عن البغوي ، ٣ / ٣٩٣.