أخلاق الهالكين ، ونسخت الآية بآية السيف (١).
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥))
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [٤] الجملة صفة (قَرْيَةٍ) ، وتوسط الواو بين الموصوف والصفة لتأكيد لصوق الوصف به ، أي إلا لها أجل مكتوب في اللوح المحفوظ مبين لا يتقدم عليه ولا يأتيهم العذاب حتى يبلغوه ولا يتأخر عنه ، يوضحه (٢) قوله (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) المعلوم و (مِنْ) زائدة بعد النفي لتأكيد العموم (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) [٥] عنه ، يعني الموت لا يتقدم ولا يتأخر أو المراد الأجل المضروب للعذاب.
(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦))
(وَقالُوا) أي كفار مكة استهزاء (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) أي القرآن بزعمك وأرادوا به محمدا عليهالسلام (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [٦] أي لتقول قول المجانين بأن الله ينزل عليك القرآن.
(لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧))
(لَوْ ما) أي هلا (تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) شاهدين لك بالصدق على ما تقولوا (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [٧] أنك نبي مرسل وإن العذاب نازل بنا.
(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨))
ثم قال الله تعالى (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي إلا (٣) بالوحي أو بالعذاب للكفار وقبض أرواحهم ، قرئ بالنون وتشديد الزاء معلوما ، وضم التاء وفتح الزاء بالتشديد مجهولا ، وبفتح التاء والزاء والتشديد ورفع الملائكة فاعلا له (٤)(وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [٨] أي ولو نزلت الملائكة لم يكونوا مؤخرين طرفة عين بالإمهال وعذبوا في الحال ، فاذن جواب لهم وجزاء بشرط مقدر.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩))
قوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) رد لإنكارهم واستهزائهم بالتأكيد في قولهم «يا أَيُّهَا الذين نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ» ، أي إنا منزلون على القطع الذكر بجبرائيل على محمد عليهالسلام ، وأكد ذلك بقوله (وَإِنَّا لَهُ) أي للذكر وهو القرآن أو لمحمد (لَحافِظُونَ) [٩] من أن يزيد فيه الشيطان أو ينقص عنه ، فالله تعالى تولى (٥) حفظه من الزيادة والنقصان ومن التحريف والتبديل بخلاف الكتب المتقدمة ، فانه لم يتول حفظها ، بل استحفظها الربانيين والأحبار ، فلذلك وقع الاختلاف فيما بينهم ووقع التحريف والتبديل فيها أو نحن حافظون محمدا من سوء ونقص وشر الأعداء كقوله (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(٦).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠))
ثم قال تسلية للنبي عليهالسلام (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) أي ولقد يعثنا قبلك يا محمد أنبياء (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) [١٠] أي في فرقهم وطوائفهم ، والشيعة هم القوم المجتمعة المتفقة كلمتهم.
__________________
(١) نقله عن البغوي ، ٣ / ٣٩٣ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٥٨ ؛ وابن الجوزي ، ٤١.
(٢) يوضحه ، س م : توضحه ، ب.
(٣) إلا ، م : ـ ب س.
(٤) «ما ننزل الملائكة» : قرأ حفص والأخوان وخلف بنونين الأولى مضمومة والثانية مفتوحة وكسر الزاي ونصب «الملائكة» ، وقرأ شعبة بتاء مضمومة ونون مفتوحة وزاي مفتوحة كذلك ورفع «الملائكة» ، وقرأ الباقون مثل شعبة ولكنهم يفتحون التاء وشدد البزي التاء وصلا وخففها الباقون. البدور الزاهرة ، ١٧٥.
(٥) تولى ، ب س : ـ م.
(٦) المائدة (٥) ، ٦٧.