(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢))
(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ) أي بالرسول (يَسْتَهْزِؤُنَ) [١١] كما استهزؤا بك ، فاصبر كما صبروا وهو حكاية حال ماضية ، لأن «ما» النافية لا تدخل (١) على مضارع (٢) إلا وهو في معنى الحال ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال (كَذلِكَ) أي مثل ذلك السلك (نَسْلُكُهُ) أي ندخل الذكر للتكذيب أو الكفر (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) [١٢] أي مشركي قومك ، فان كان الضمير ل (الذِّكْرَ) ، فالمعنى : أنه نلقيه (٣) في قلوبهم مكذبا مستهزء به غير مقبول ، وإن كان ل «الكفر» كان المعنى : أنه ندخل (٤) في قلوبهم حلاوة الكفر إلى الموت للعذاب المؤبد.
(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣))
(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) حال المجرمين ، أي لا يصدقون بالذكر أو بمحمد أو بالعذاب (وَقَدْ خَلَتْ) أي مضت (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) [١٣] أي طريقهم التي سنها الله تعالى في إهلاكهم حين كذبوا رسلهم ، وفيه تهديد لأهل مكة.
(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤))
(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ) أي على الذين يقولون لو ما تأتينا بالملائكة (باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا) أي فصارت الملائكة (فِيهِ) أي في ذلك الباب (يَعْرُجُونَ) [١٤] أي يصعدون وينزلون منه نهارا ويرى هؤلاء الكفار صعودهم ونزولهم عيانا ، وقيل : الضمير في (فَظَلُّوا) لهؤلاء الكفار (٥) ، أي هم صاروا يصعدون ، والأول أصح عند المفسرين.
(لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥))
(لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ) مخففا ومثقلا (٦) ، أي أخذت أو حيرت ، أي سدت (أَبْصارُنا) يعني منعت أعيننا عن إدراكهم (بَلْ) لقالوا (نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [١٥] أي سحرنا محمد فما رأيناه خيال لا حقيقة له لشدة غلوهم في العناد.
(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦))
ثم قال إظهارا للقوة الباهرة ليعتبروا فيؤمنوا (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أي نجوما كبارا من برج الشيء إذا ظهر أو المراد منازل الشمس والقمر وهي اثنا عشر برجا ، الحمل والثور والجزاء والسرطان والأسد والسنبل والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت أو قصور (٧) في السماء عليها الحرس (وَزَيَّنَّاها) أي السماء بالنجوم (لِلنَّاظِرِينَ) [١٦] أي لمن نظر إليها واعتبر.
(وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧))
(وَحَفِظْناها) أي السماء بالنجوم (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) [١٧] أي مرجوم بالشهب أو مطرود من رحمة الله.
(إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨))
قوله (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) في محل النصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من اختلس (٨) السمع خلسة أو في محل الجر بدلا من «كل شيطان» أو في محل الرفع على الابتداء ، و «من» شرط فلذا دخلت الفاء السببية في قوله (فَأَتْبَعَهُ) أي فلحقه (شِهابٌ مُبِينٌ) [١٨] أي نجم مضيء ظاهر للمبصرين متوقد محرق بناره ، والشهاب في اللغة كل أبيض مضيء ، وقيل : هو شعلة من النار (٩).
__________________
(١) لا تدخل ، ب : لا يدخل ، س م.
(٢) مضارع ، ب م : المضارع ، س.
(٣) نلقيه ، م : يلقيه ، ب س.
(٤) ندخل ، م : يدخل ، ب س.
(٥) اختصره من البغوي ، ٣ / ٣٩٤.
(٦) «سكرت» : خفف الكاف المكي وشددها غيره ورقق ورش الراء. البدور الزاهرة ، ١٧٥.
(٧) قصور ، ب س : القصور ، م.
(٨) اختلس ، ب م : أخلس ، س.
(٩) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٩٥.