سورة النحل
مكية إلا (وَإِنْ عاقَبْتُمْ)(١) إلى آخر السورة (٢)
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١))
(أَتى أَمْرُ اللهِ) أي جاء وقرب عذابه ، لأن ما هو آت قريب وهو وعيد للمشركين بيوم القيامة.
نزل حين كانوا يستبطئون نزول العذاب بعد قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)(٣) ، فانهم قالوا بعضهم لبعض : إن محمدا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض أعمالكم من التكذيب والاستهزاء والكيد حتى ننظر ما هو كائن ، فلما لم ينزل قالوا : ما نرى شيئا فنزل قوله (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ)(٤) ، فأشفقوا منه فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فأنزل الله أتى أمر الله فوثب النبي عليهالسلام ، ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنه أتى حقيقة فنزل (٥)(فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) أي لا تطلبوا أمر الله قبل حينه ، والاستعجال طلب الشيء قبل أوانه فاطمأنوا ، وقيل : المراد من أمر الله العذاب بالسيف والمستعجل به النضر بن الحارث حيث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فقتل يوم بدر صبرا (٦) ، ولما استهزؤا النبي عليهالسلام باستعجال العذاب ولم يأتهم جعلوا أصنامهم شركاء لله في العبادة ، فنزه تعالى نفسه عن الشرك بقوله (سُبْحانَهُ وَتَعالى) عن ما (يُشْرِكُونَ) [١] بالياء والتاء (٧) ، أي تعاظم وتنزه عن إشراك معبوديهم بصفاته الحميدة أو عن الذي يشركون به من الأوثان ، ف «ما» مصدرية أو موصولة ، ولما كان شركهم من جهلهم وموت قلوبهم أراد أن يعلمهم أن العبادة لا يكون إلا بالوحي الموجب لحيوة القلب ورفع الجهل بقوله.
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣))
(يُنَزِّلُ) بضم الياء وكسر الزاء مخففا ومشددا (٨) ، والفاعل الله والمفعول (الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) أي بالوحي ، لأنه
__________________
(١) النحل (١٦) ، ١٢٦.
(٢) إلا وإن عاقبتم إلى آخر السورة ، ب م : ـ س.
(٣) القمر (٥٤) ، ١.
(٤) الأنبياء (٢١) ، ١.
(٥) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٢٢٧ (عن ابن عباس) ؛ والواحدي ، ٢٣٤ (عن ابن عباس).
(٦) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٤١٧.
(٧) «يشركون» : قرأ الأخوان وخلف بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ١٧٨.
(٨) «ينزل» : قرأ المكي والبصري ورويس بالتخفيف ، وقرأ روح بتاء مثناه مفتوحة ونون مفتوحة وزاي مفتوحة مشددة ورفع «الملائكة» ، والباقون بالتشديد وكلهم ينصبون تاء «الملائكة» إلا روحا فيرفعها. البدور الزاهرة ، ١٧٨.