سبب حيوة القلب أو بالنبوة أو بالرحمة أو بجبرائيل ، فالباء بمعنى مع (مِنْ أَمْرِهِ) أي بأمره وإرادته (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) من الأنبياء ، ومحل (أَنْ أَنْذِرُوا) جر بدل من «الروح» ، ف (أَنْ) مصدرية ، أي ينزلهم بأن أنذروا أو بأنه أنذروا ، فالضمير للشأن و (أَنْ) مخففة من الثقيلة ، ويجوز أن يكون مفسرة ، لأن تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول ، أي يقول الله لهم أعلموا الناس (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) [٢] أي خافوني ولا تشركوا بي شيئا من نذرت بكذا إذا علمته ، ثم دل على واحدانيته بخلق ما يعجز عنه غيره فقال (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) أي للحق وهو أن ينظر إليه ويعتبر فيوحد ولا يشرك به (تَعالى) أي ارتفع وتعاظم (عن ما (يُشْرِكُونَ) [٣] به من الأصنام وغيرها.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥))
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) أي من ماء الرجال الذي لا حس به ولا حركة دلالة على قدرته (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) أي جدل بالباطل (مُبِينٌ) [٤] أي ظاهر الجدال وجاء بالفاء ، و «إذا» للمفاجأة إشارة إلى سرعة نسيانهم ابتداء خلقهم مع ظهور المذكر ، نزل في شأن أبي بن خلف الجحمى وكان ينكر البعث جاء بعظم رميم وجعل يفته بيده فقال يا محمد : أتقول إن الله يحيي هذا بعد ما رم؟ والصحيح أن الآية عامة لبيان القدرة وكشف قبيح ما فعلوا من جحد نعم الله مع ظهورها عليهم (١) قوله (وَالْأَنْعامَ) نصب بمضمر يفسره (خَلَقَها) أي الله خلق الأنعام الإبل والبقر والغنم (لَكُمْ) أي ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان (فِيها دِفْءٌ) وهو ما يستدفأ به ، أي يستمتع به من الحر والبرد كالأكسية والأردية والأخبية (وَمَنافِعُ) بالنسل ودر اللبن وركوب الظهر وحمل الأثقال (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [٥] أي من لحومها بالذبح ، وقيد الأكل من الأنعام ، لأنه هو المعتمد وإن أكل غيره كالبط والدجاج فللتفكه والتداوى.
(وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦))
(وَلَكُمْ فِيها) أي في الأنعام (جَمالٌ) أي زينة وحسن المنظر (حِينَ تُرِيحُونَ) أي ترجعونها بالعشي من مراعيها إلى مراحها (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [٦] أي تخرجونها بالغدوة إلى مسارحها وقدم الرواح ، لأن المنافع تؤخذ منها بعد الرواح ويكون مالكها أعجب بها إذا راحت (٢) من مسارحها إلى مراحها ، لأنها أكثر لبنا وأحسن خلقا.
(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧))
(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) أي أحمالهم وزادهم (إِلى بَلَدٍ) آخر (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) أي واصليه (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) أي بمشقتها ، والشق النصف أيضا ، فكأن الجهد ذهب بنصف القوة ، يعني لم تكونوا واصلين إليه إلا بنقصان قوة النفس وذهاب نصفها (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ) بكم بخلق هذه الحوامل تيسيرا لمصالحكم (رَحِيمٌ) [٧] بكم حيث لم يعجل بعقابكم بترك شكر نعمه.
(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨))
(وَالْخَيْلَ) عطف على الأنعام ، أي وخلق الخيل وهي اسم جنس لا واحد له من لفظه كالإبل والنساء (٣)(وَ) خلق (الْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) نصبه مفعول له ، أي وللزينة عطفا على محل (لِتَرْكَبُوها) ، وإنما خولف بينهما في النظم ، لأن الركوب فعل المخلوق المخاطب والزينة فعل الخالق أو وجعلها زينة لكم مع المنافع التي فيها واحتج بهذه الآية من حرم لحوم الخيل ، وهو أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما ، لأنه علل هذه الأصناف
__________________
(١) نقله عن البغوي ، ٣ / ٤١٨ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٣٤.
(٢) راحت ، ب س : رحبت ، م.
(٣) والنساء ، س م : والإنسان ، ب.