الثلاثة بالركوب والزينة ولم يذكر الأكل منها بخلاف الأنعام ، فانها خلقت للركوب والأكل كما قال ومنها تأكلون ، والشافعي وأحمد وإسحق أباحوا لحوم الخيل ، وقالوا ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم ، بل المراد منه تعريف الله تعالى عباده نعمه وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته ، واحتجوا بما قال جابر : «نهى النبي عليهالسلام يوم خيبر لحوم الحمر ، ورخص في لحوم الخيل» (١) ، وروي عن أسماء أنها قالت : «نحرنا على عهد رسول الله عليهالسلام فرسا ونحن بالمدينة فأكلناه» (٢)(وَيَخْلُقُ) الله سواها (ما لا تَعْلَمُونَ) [٨] وهو ما يخلق فينا ولنا مما لا نعلم كنهه وتفاصيله ، ويمن علينا بذكره مع الدلالة على قدرته أو الملائكة والجن وغيرهما من الخلق أو ما أعد في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها ما لم تره عين ولم تسمعه أذن ولا خطر على قلب بشر ، وقيل : «ما لا تعلمون كيف يخلقه وهو السوس في النبات والدود في الفواكه» (٣).
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩))
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أي بيان الطريق الموصل إلى الحق بالآيات والبراهين كقوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى)(٤) ، معناه : علينا بيان طريق الهدى والضلال واجب لطفا وكرما ، فان كلمة (عَلَى) محمولة على وجوب الكرم هنا عند أهل السنة ، إذ العقل يأبى وجوب شيء على الله تعالى (٥) ، و (عَلَى) فيه يدل وجوب الكرم ، ولذا لم يقل وعليه جائرها (٦) ، وقيل : القصد من السبيل دين الإسلام وما فيه من الشرائع والأحكام (٧)(وَمِنْها جائِرٌ) أي ومن السبيل ما هو مائل عن الاستقامة بارادته تعالى دون رضاه وهو سبيل الشيطان والبدع والأهواء ، يقال جار فلان عن القصد إذا مال عن الجادة بسوء اختياره ، وقيل : اليهودية والنصرانية وسائر أديان الكفر (٨) لقوله تعالى (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)(٩) ، المعنى : أن السبيل بعضه سبيل القصد الذي يؤدي إلى رضا الله وثوابه ، وبعضه سبيل الجور الذي يعدل عنه إلى سخط الله وعقابه ، وكلاهما بمشية الله تعالى ، فبهذا المعنى يناسب الكلامان في الأسلوب ، فاندفع به قول من قال كان أسلوب الكلام أن يقول وعليه جائرها مكان قوله «ومنها جائر» ، وإنما غيره ليعلم بما لا يجوز إضافته إليه من السبيلين وهو الجائر ، وهذا القول لأهل الاعتزال (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [٩] أي ولو شاء مشية قسر في هداية الخلق لأرشدهم إلى صلاحكم أجمعين بأن ينزل آية يلجؤكم إلى الإيمان.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠))
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) أي ما تشربون من الماء المنزل ويشرب أنعامكم (وَمِنْهُ شَجَرٌ) أي ومن ذلك الماء حصول نباتكم والعرب تطلق الشجر على النبات ، ومنه حديث عكرمة : «لا تأكلوا ثمن الشجر فانه سحت» (١٠) ، أراد منه النبات ، وذلك قبل الإحراز وثبوت الملك (١١)(فِيهِ تُسِيمُونَ) [١٠] أي في الشجر ترعون مواشيكم ، يقال سامت الماشية إذا رعت.
(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١))
(يُنْبِتُ) بالنون والياء (١٢) ، أي الله يرفع من الأرض (لَكُمْ بِهِ) أي بالماء أنزله (الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ
__________________
(١) انظر البغوي ، ٣ / ٤١٩.
(٢) انظر القرطبي ، ١٠ / ٧٧.
(٣) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٣ / ٤١٩.
(٤) الليل (٩٢) ، ١٢.
(٥) معناه علينا بيان طريق الهدى والضلال واجب ... العقل يأبى وجوب شيء على الله تعالى ، ب س : ـ م.
(٦) وعلى فيه يدل وجوب الكرم ولذا لم يقل وعليه جائرها ، ب م : ـ س.
(٧) اختصره من البغوي ، ٣ / ٤٢٠.
(٨) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٤٢٠.
(٩) الأنعام (٦) ، ١٥٣.
(١٠) انظر الكشاف ، ٣ / ١٤٣.
(١١) وذلك قبل الإحراز وثبوت الملك ، ب س : ـ م.
(١٢) «ينبت» : قرأ شعبة بالنون مكان الياء التحتية ، وغيره بالياء. البدور الزاهرة ، ١٧٨.