(أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [٤] أي هم في حال القيلولة ، وهي النوم نصف النهار كقوم شعيب ، والجملة الاسمية في محل النصب على الحال ، معطوفة (١) ب «أ» على (بَياتاً) ، وحذفت الواو الرابطة استثقالا للجمع بين حرفي عطف ، لأن أصل واو الحال العطف ثم استعيرت للوصل ، تقديره : جاءها بأسنا بائتين وقائلين ، يعني ليلا ونهارا ، و (أَوْ) فيه لتفصيل العذاب ، فبعض نزل ليلا وبعض نزل نهارا ، وإنما خص البيات والقيلولة بالذكر لأنهما وقت غفلة ، وحلول العذاب فيهما أصعب.
(فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥))
ثم أخبر عن حال من جاءهم العذاب بقوله (فَما كانَ دَعْواهُمْ) أي لم يكن قولهم وتضرعهم (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) أي عذابنا (إِلَّا أَنْ قالُوا) خبر (كانَ) ، أي قالوا نادمين (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) [٥] أنفسنا بترك التوحيد وبفعلنا المعاصي ، فاعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف ، إذ لم تبق لهم حيلة سواه ، قال عليهالسلام : «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم فاعترفوا يا أهل مكة بهم فانكم إذا جاءكم العذاب لا ينفعكم التضرع» (٢).
(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦))
قوله (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) إخبار عن كيفية حال الأمم والأنبياء يوم القيامة ، أي لنسألن توبيخا الأمم عما بلغهم الأنبياء ، يعني هل بلغتم به (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [٦] أي الأنبياء عما بلغوا وما أجيبوا تقريرا لذلك.
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧))
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) أي لنخبرنهم يومئذ بما عملوا في الدنيا (بِعِلْمٍ) أي عالمين بجميع ما صدر منهم حقيقة من التبليغ والرد (وَما كُنَّا غائِبِينَ) [٧] أي غافلين عن ذلك لنخبر عما لم يكن المعنى أنا ما كنا نسألهم لنعلم ما لم نعلم بل سألناهم ليكون حجة عليهم باعترافهم.
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨))
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) أي وزن الأعمال الذي هو الحق كائن يوم القيامة لا محالة بالعدل ، ف (الْوَزْنُ) مبتدأ و (الْحَقُّ) صفته و (يَوْمَئِذٍ) خبره ، والعامل في الظرف محذوف ، وهو الخبر حقيقة ، وهو ضعيف لاستلزامه الفصل بين الموصوف والصفة بالخبر ، والأولى أن يكون الظرف خبرا و (الْحَقُّ) بدلا من الضمير في الظرف ، قال عليهالسلام : «توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان كفتان» (٣) ، قيل : تجعل الأعمال مصورة فتوضع في الميزان (٤) ، وقيل : تعوضع فيه صحف الأعمال (٥) ، وقيل : يوضع الأشخاص فيه إظهارا للعدل (٦) ، وقيل : لا ميزان في الحقيقة ولكن ذكره هنا على وجه المثل والكناية عن العدل وهو قول أهل الاعتزال ، فالمراد منه السؤال والقضاء بالقسط (٧) ، والحق أن الميزان حق يوضحه (فَمَنْ ثَقُلَتْ) أي رجحت (مَوازِينُهُ) جمع ميزان ، لأن لكل عبد ميزانا أو هو جمع موزون ، أي حسناته (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [٨] أي الناجون من النار الفائزون بالجنة.
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩))
(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) أي رجحت سيئاته على حسناته (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي غبنوا حظ نفوسهم (بِما كانُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن ومحمد عليهالسلام (يَظْلِمُونَ) [٩] أي يجحدون بأنها ليست من الله ،
__________________
(١) معطوفة ، ب م : المعطوفة ، س.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ، ٣ / ٣٨٣ ؛ وأخرج نحوه أبو داود ، الملاحم ، ١٧ ؛ وأحمد بن حنبل ، ٤ / ٢٦٠.
(٣) ذكره المفسر هنا حديثا ، ولكن هذا القول نسب إلى ابن عباس في السمرقندي ، ١ / ٥٣١.
(٤) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٥٣١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤٥٣.
(٥) نقله المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٥٣١ ؛ أو البغوي ، ٢ / ٤٥٣.
(٦) وهذا مأخوذ عن البغوي ، ٢ / ٤٥٣.
(٧) نقله المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٥٣١ ؛ أو البغوي ، ٢ / ٤٥٢ ، ٤٥٣.