(قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥))
(قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [١٥] أي إلى النفخة الأولى فتموت مع من يموت وإنما أنظره مجيبا إلى استنظاره مع علمه أنه يغوي عباده ابتلاء وفتنة للعباد وليظهر به المطيع والعاصي وليعظم الأجر والوزر ، وقيل : الخطاب قد يكون شرفا للمخاطب إذا كان في محل التضرع والابتهال ، وقد يكون مقتا إذا كان على سبيل الخصام والجدال ومنه مخاطبة اللعين (١).
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦))
(قالَ) اللعين لإرادة الانتقام من ذرية آدم الذي صار سببا لهلاكه (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) أي أضللتني وخيبتني منك ، والباء لسببية تتعلق بفعل القسم لا بجوابه لمنع اللام عن ذلك ، يعني بسبب إغوائك أقسم بالله (٢)(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي والله لأجلسن لإغواء الناس (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) [١٦] أي على دين الإسلام فأصدهم عنه.
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧))
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ) بوسوستي (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أي من جهة الآخرة فأشككهم فيها (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي من جهة الدنيا فأدعوهم إليها بالتزيين في أعينهم وقلوبهم (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) أي عن طرق الإسلام والخيرات فأوقع الشبهات فيها (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أي عن طرق السيئات والشهوات فأرغبهم فيها ، واستعمال «من» في الأولين و «عن» في الثانيين سماعي لا قياسي ، روي : أن الشيطان لا يأتي العبد من فوقه لئلا يحول بينه وبين رحمة الله النازلة من جهته (٣) ، المعنى : أني لأغوينهم من جميع الجهات (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [١٧] أي أكثر ذرية آدم مؤمنين أو شاكرين لنعمك كقوله (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(٤).
(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))
(قالَ) الله تعالى (اخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة (مَذْؤُماً) بالهمزة من ذأمته إذا ذممته (مَدْحُوراً) أي مطرودا من الجنة أو من الرحمة أو عن كل خير ، من الدحر وهو الإبعاد (لَمَنْ تَبِعَكَ) اللام في موطئة للقسم ، و «من» شرط ، أي والله لمن أطاعك فيما دعوته إليه (مِنْهُمْ) أي من بني آدم (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ) يعني من الجن والإنس ، واللام فيه زائدة في جواب القسم للتأكيد ، أي لأملأن به وبك النار (أَجْمَعِينَ) [١٨] ممن أطاعوك من الفريقين ، وجواب القسم ساد مسد جواب الشرط.
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩))
ثم أخبر تعالى عن قوله لآدم في الجنة (وَيا آدَمُ) أي وقلنا يا آدم (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أي اثبت أنت ولتثبت حواء جنة الخلد (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) أي أحببتما بالتوسعة عليكما (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) أي لا تأكلا منها (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [١٩] أي الضارين أنفسكما.
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠))
(فَوَسْوَسَ) أي ألقى الوسوسة (لَهُمَا) أي إليهما (الشَّيْطانُ) وهي تكرير الكلام في خفية لعمل الشر ، يعني
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٢) بسبب إغوائك أقسم بالله ، ب س : بسبب إغوائك إياي أقسم بالله ، م.
(٣) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٤٥٧.
(٤) سبأ (٣٤) ، ١٣.