لهم ، قوله (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [٤٢] في تجهيل لهم حيث عبدوا ما ليس بشيء ، لأنه جماد لا علم له ولا قدرة أصلا وتركوا عبادة العالم القادر القاهر على كل شيء ، (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل شيئا إلا بحكمة وتدبير.
(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣))
(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها) أي نبينها (لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها) أي ما يفهم فائدة ضربها (إِلَّا الْعالِمُونَ) [٤٣] بالله والعاملون بطاعته وهو نفي قول السفهاء من قريش «أن محمدا يضرب المثل بالذباب والعنكبوت» ويضحكون من ذلك.
(خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤))
ثم بين أنه ما خلق شيئا باطلا بقوله (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وما بينهما (بِالْحَقِّ) أي بالغرض الصحيح الذي هو الحق لا الباطل وهو كونهما مساكن عباده ودلائل على وحدانيته وعظم قدرته ، فلذا قال بعده (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [٤٤] أي لعبرة لهم لأنهم ينتفعون بها.
(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥))
(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) أي القرآن واعمل بما فيه (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أي أتمها في مواقتيها (إِنَّ الصَّلاةَ) المعروفة وهي الصلوة التي تصلي بالخشوع والتقوى بعد التوبة النصوح (تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وهما ما لا يجوز شرعا من الكبائر والصغائر ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من لم تنهه صلوته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا» (١) ، وروي عن الحسن أنه قال لرجل : «إذا لم تنه صلوتك عن الفحشاء فلست بمصل» (٢) ، وقيل : يا رسول الله إن فلانا يصلي بالليل كله فاذا أصبح سرق ، فقال «ستنهاه صلوته فانتهى» (٣) ، وقيل : المعنى إن الصلوة إذا صليت صادرة عمن يراعيها كما ينبغي نهته عن المنكر ، وهذا اللفظ ليس بعام بل المراد منه أن هذه الخصلة موجودة فيه وحاصلة منه من غير اقتضاء العموم ، أي لا بد أن يكون مراعي الصلوة أبعد من الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها (٤)(وَلَذِكْرُ اللهِ) إياكم بالرحمة (أَكْبَرُ) من ذكركم إياه بالطاعة.
يل : «ذكر الله أشد نهيا عن الفحشاء والمنكر إذا دوام عليه من نهي الصلوة» (٥) أو القرآن عنهما (٦) ، ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والفضة والورق وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : وما ذلك يا رسول الله؟ قال : ذكر الله» (٧) ، وقيل : المراد أن تذكر الله تعالى ناظرا إلى جلالته وعظمته وقدرته وتنزيهه عن كل شيء سواه (٨) ، وقيل : المراد بذكر الله الصلوة ، ووصفها بالكبر ليستقل بالتعليل كأنه قال والصلوة أكبر من كل عمل لأنها ذكر الله (٩)(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ) [٤٥] من الخير والطاعة فيثيبكم أحسن الثواب.
(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦))
(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) أي الذين (١٠) لم ينصبوا الحرب (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي الخصلة الحسنى كمقابلة
__________________
(١) ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ، ٦ / ٢٩٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٣٩ ؛ والبغوي ، ٤ / ٣٧٧.
(٢) انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٣٩.
(٣) ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ، ٦ / ٢٩٠ ، ٢٩١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٤٩.
(٤) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٤ / ٢٤٩.
(٥) ذكر ابن عون نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٧٧.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٣٧٧.
(٧) رواه مالك ، القرآن ، ٢٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٣٧٨.
(٨) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٩) لعل المفسر اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٤٩.
(١٠) الذين ، وي : الذي ، ح.