هُمْ يُشْرِكُونَ) [٦٥] أي عادوا إلى الشرك به تعالى ، واللام في (لِيَكْفُرُوا) يحتمل أن يكون لام «كي» وكذلك (لِيَتَمَتَّعُوا) ، أي إنهم يعودون إلى الشرك ليكونوا كافرين (بِما آتَيْناهُمْ) من نعمة النجاة (وَلِيَتَمَتَّعُوا) أي ليعيشوا بها ويتلذذوا لأعين لا على ما هو عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة من أن يشكروا نعمة الله إذا أنجاهم الله ، فيستحقون المزيد لشكرهم (١) ، ويحتمل أن يكون لام الأمر ويكون الأمر من الله بالكفر والتمتع خذلانا لهم وتخلية وتهديدا بدليل قوله (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [٦٦] عند نزول العذاب عليهم كقوله (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٢).
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧))
قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي أهل مكة توبيخ لهم بأنهم مؤمنون بالباطل لا بالحق ، وذلك أن العرب حول مكة كانوا يتناهب بعضهم بعضا ويتغاورون وأهل مكة قارون آمنون لا يغار عليهم مع قلتهم وكثرة العرب ، فذكرهم الله تعالى هذه النعمة الخاصة الظاهرة (٣) ليتفكروا ويفهموا أن هذه من النعم التي لا يقدر عليها إلا الله وحده وهو مكفور عندهم ، يعني ألم يعلموا (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) يأمنون فيه (وَيُتَخَطَّفُ) أي يؤخذ (النَّاسُ) ويسلبوا (مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) وهو الصنم أو الشيطان (وَبِنِعْمَةِ اللهِ) أي بالقرآن والإسلام ومحمد (٤) عليهالسلام (يَكْفُرُونَ) [٦٧] أي يجحدون (٥).
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨))
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ) فافتراؤه زعمه الشريك والولد لله وتكذيبه بما جاء به من الحق كفره بالرسول وبالكتاب الذي أنزل معه لما جاءه (٦) من غير توقف عنادا (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) أي مقام (لِلْكافِرِينَ) [٦٨] أي للمكذبين ، والاستفهام تقرير لإقامتهم في جهنم ، وحقيقته أن همزة الإنكار إذا دخلت على النفي صار إيجابا وهو معنى التقرير ، أي كيف لا يستوجبون الخلود في جهنم وقد افتروا مثل هذا الافتراء على الله ، وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب أو المعنى : ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين حتى اجترؤا على هذا التكذيب والإشراك.
(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩))
قوله (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) تعريض للكفار ، أي الذين جاهدوا (فِينا) أي في حقنا ولوجهنا خالصا أعداء الدين والشيطان المضل والنفس الأمارة بالسوء ، وحذف المفعول للتعميم (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي لنزيدنهم (٧) هداية إلى طرق الخيرات ، وقيل : «الذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم الطريق إلى العمل به» (٨) ، وقيل : «والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا» (٩) ، قيل : «أفضل الجهاد جهاد النفس» (١٠) ، وهو بذل النفس في رضا الحق وذلك بمخالفة الهواء وصدق المجاهدة الانقطاع إلى الله من كل شيء سواه (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [٦٩] أي العاملين بالإحسان في جميع أحوالهم النصر والعصمة وهو تحريض لهم في المجاهدة.
__________________
(١) لشكرهم ، ي : بشكرهم ، و ، ليشكرهم ، ح.
(٢) فصلت (٤١) ، ٤٠.
(٣) الظاهرة ، وي : ـ ح.
(٤) ومحمد ، وي : وبمحمد ، ح.
(٥) أي يجحدون ، ح ي : وهذا تذكير لأهل مكة ، و؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٤٤.
(٦) جاءه ، ح ي : جاء به ، و.
(٧) أي لنزيدنهم ، ح ي : ليزيدنهم ، و.
(٨) عن الفضيل بن عياض ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٨٧.
(٩) عن أبي سليمان الداراني ، انظر الكشاف ، ٤ / ٢٥٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٤٤.
(١٠) ذكر الحسن نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٣٨٧.