خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)(١) ، لأن المراد به ما بين العرش أو سدرة المنتهى إلى الأرض السفلي ، فان الملك يسيره في قدر يوم هبوطا وصعودا كما سيأتي في سورة المعارج ، وقيل : يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض كل يوم وليلة إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه ذلك الأمر كله (٢) ، أي يرجع إليه ويكتب في صحف ملائكته ليحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة وهو يوم القيامة.
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦))
(ذلِكَ) المدبر في الحقيقة (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي عالم الظاهر والباطن وهو (الْعَزِيزُ) في ملكه (الرَّحِيمُ) [٦] بخلقه.
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧))
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) بسكون اللام ونصب القاف بدل من (كُلَّ) ، أي أحسن خلق كل شيء وأتقنه على ما تقتضيه الحكمة ، وبفتح اللام (٣) فعل صفة (كُلَّ) ، أي كل شيء خلقه فقد أحسنه وقومه بعلمه وإن تفاوتت إلى حسن وأحسن (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ) أي آدم (مِنْ طِينٍ) [٧] أي من أديم الأرض.
(ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨))
(ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) أي ذريته (مِنْ سُلالَةٍ) أي من نطفة ، لأنها تنسل ، أي تنفصل منه وتستل (٤) من صلبه ، أي تخرج (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [٨] أي ضعيف وهو المني ، و (مِنْ) فيه للبيان.
(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩))
(ثُمَّ سَوَّاهُ) أي قوم خلق آدم وعدله (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) أي جعل فيه من الشيء الذي اختص هو بعلمه ، ولذلك أضافه إلى ذاته ، فقال من روحه كقوله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ)(٥) الآية فصار آدم (٦) بسبب ذلك الشيء حيا حساسا بعد أن كان جمادا لا أن ثم حقيقة نفخ (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) لتصرفوا كلها في طاعة ربكم (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [٩] رب هذه النعم ، أي لا تشكرونه.
(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠))
(وَقالُوا) القائل أبي بن كعب لإنكار البعث (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أي أئذا غبنا فيها وصرنا ترابا نبعث وهو عامل في الظرف ، يدل عليه قوله (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ولا يجوز أن يعمل فيه جديد لأن «ما» بعد «إن» لا يعمل فيما قبلها ، قوله (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) إضراب عن كفرهم بالإنشاء إلى ما هو أبلغ من الكفر ، أي أنهم (كافِرُونَ) [١٠] بجميع ما يكون في العاقبة لا بالإنشاء وحده.
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١))
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ) أي يقبض أرواحكم (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) بقبض أرواحكم ، قيل : «حويت الأرض لملك الموت وجعلت له كطست لديه يتناول منه ما يشاء» (٧) ، وقيل : ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه ثم يأمر أعوانه بقبضها (٨) ، ثم خاطبهم الله بالرجوع إلى ربهم بعد توفي ملك الموت أرواحهم بقوله (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [١١] بعد الموت احياء للحساب والجزاء وهذا معنى لقاء الله عزوجل.
__________________
(١) المعارج (٧٠) ، ٤.
(٢) لعل المؤلف اختصره من البغوي ، ٤ / ٤١٩ ؛ والكشاف ، ٥ / ٢٦.
(٣) «خلقه» : لا يخفى ما فيه لورش وحمزة وهشام وأبي جعفر وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام ، والباقون باسكانها. البدور الزاهرة ، ٢٥٢.
(٤) وتستل ، وي : وتنسل ، ح.
(٥) الإسراء (١٧) ، ٨٥.
(٦) آدم ، وي : ـ ح.
(٧) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٢١ ؛ والكشاف ، ٥ / ٢٧.
(٨) قد أخذه المفسر عن الكشاف ، ٥ / ٢٧.