(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤))
(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً) أي قادة (يَهْدُونَ) أي يدعون الناس إلى ما في التورية من دين الله وشرائعه (بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) بالتشديد ، أي جعلوا أئمة حين صبروا على نصرة الدين وثبتوا على ذلك فلم يرجعوا عنه ، وقرئ «لما صبروا» بالتخفيف وكسر اللام (١) ، أي جعلوا (٢) أئمة لصبرهم على ذلك (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) [٢٤] أي يصدقون بما أعطي موسى من المعجزات.
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥))
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) أي يقضي بين الأنبياء وأممهم أو بين المؤمنين والمشركين فيميز المحق في دينه من المبطل (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [٢٥] من الدين هنا.
(أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦))
ثم هددهم بقوله (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) عطف على مقدر ، أي ألم يبعث الله إلى أهل مكة محمدا ولم يهد ، أي ولم يعرفهم (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) كعاد وثمود وغيرهما (مِنَ الْقُرُونِ) فالفاعل «الله» والمفعول (كَمْ أَهْلَكْنا) ، ويجوز أن يكون الفاعل ما دل عليه (كَمْ أَهْلَكْنا) ، أي أو لم يهد لهم كثرة إهلاكنا القرون (يَمْشُونَ) أي أهل مكة (فِي مَساكِنِهِمْ) أي يمرون في متاجرهم على ديارهم بعد هلاكهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي لعبرات (أَفَلا يَسْمَعُونَ) [٢٦] المواعظ فيتعظون.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧))
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ) بالسحاب أو بالأنهار (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) أي التي قطع نباتها لعدم المطر أو لغيره فيستدلوا على قدرتنا فيؤمنوا (فَنُخْرِجُ بِهِ) أي بالماء (زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ) كالتبن والأوراق (وَأَنْفُسُهُمْ) كالحبوب والفواكه (أَفَلا يُبْصِرُونَ) [٢٧] ذلك فيؤمنون.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩))
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ) أي الحكم علينا بالنار أو الفصل بين المؤمنين وأعدائهم أو فتح مكة ، نزل حين قال الكفار للمؤمنين : متى قيام الساعة؟ فيقضي بيننا وبينكم (٣)(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٢٨] في الوعد وهو سؤال استعجال منهم على وجه الاستهزاء والتكذيب ، فأجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم في سؤالهم بقوله (قُلْ) لهم لا تستعجلوا ولا تستهزؤا فان (يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) وهو يوم القيامة أو فتح مكة أو يوم بدر ، والمراد المقتولون منهم (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [٢٩] أي يمهلون بل يعذبون بالقتل فلا ينفعهم إيمانهم في حال القتل كما لم ينفع إيمان فرعون له يوم الغرق.
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ) النصرة عليهم لصدق وعدي (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) [٣٠] هلاكك وإنك أحق أن تنتظر هلاكهم ، والملائكة في السماء ينتظرونه لأنهم هالكون لا محالة.
__________________
(١) «لَمَّا صَبَرُوا» : قرأ الأخوان ورويس بكسر اللام وتخفيف الميم ، والباقون بفتح اللام وتشديد الميم. البدور الزاهرة ، ٢٥٣.
(٢) حين صبروا على نصرة الدين وثبتوا على ذلك فلم يرجعوا عنه وقرئ لما صبروا بالتخفيف وكسر اللام أي جعلوا ، و : ـ وي.
(٣) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٣.