سورة الأحزاب
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١))
قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) أي واظب على ما أنت عليه من التقوى ، نزل حين قدم أبو سفيان ومن تابعه من أهل الشرك على النبي عليهالسلام فقالوا له وكانت بينه وبينهم موادعة ارفض ذكر آلهتنا وقل إنها تشفع وتنفع ونحن ندعك وربك ، فشق ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى المؤمنين وهموا بقتل أولئك (١) ، فمنعهم الله تعالى بقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) وأراد بالخطاب النبي عليهالسلام وأصحابه ، أي اتقوه في نقض العهد ونبذ المواعدة (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكة (وَالْمُنافِقِينَ) من أهل المدينة فيما طلبوا إليك ، وإنما لم يقل يا محمد بصريح اسمه تشريفا له ، وأما قوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)(٢) ونحوه فلتعليم الناس بأنه رسول الله وتنبيههم على اتباعه ، المعنى : لا تطع الكافرين والمنافقين رأيا ومشورة واحترس منهم ، فانهم أعداء الله وأعداء المؤمنين لا يريدون إلا المضارة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بالصواب من الخطأ (حَكِيماً) [١] لا يفعل شيئا ولا يأمر به إلا بالحكمة.
(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢))
(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وهو القرآن واعمل به لا برأي الكافرين والمنافقين (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [٢] بالياء ، أي بما يعمل الكفار من كيدهم لكم ، وبالتاء (٣) ، أي بما يصلح به أعمالكم فلا حاجة بكم إلى الاستماع من الكفار.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣))
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي اسند أمرك إليه (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [٣] أي كفى هو لك حافظا ومدبرا كل أمر لك.
(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤))
قوله (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) نزل حين قال الكفار أن لمحمد قلبين ، قلب معنا وقلب مع أصحابه (٤) ، و : قيل نزل في معمر بن أسد الفهري ، وكان لبيبا حافظا بين العرب للوقائع والأخبار التي يسمعها ، وقال : أن لي قلبين ، أفهم بأحدهما أكثر ما يفهم محمد ، فانهزم مع المشركين يوم بدر وإحدى نعليه بيده والأخرى في رجله ، فقيل له في ذلك ، فقال : ما شعرت به (٥) ، وفائدة ذكر (فِي جَوْفِهِ) كالفائدة في (تَعْمَى
__________________
(١) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٩٢ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٣٠.
(٢) الفتح (٤٨) ، ٢٩.
(٣) «تعملون» : قرأ أبو عمرو بياء الغيبة فيهما ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٢٥٣.
(٤) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٣٦.
(٥) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ؛ والبغوي ، ٤ / ٤٣١.