يشاء (١) وينفذ حكمه عليهم من حكم أنفسهم ، لأنه أشفق عليهم وأحب إليهم من أنفسهم ، فاذا رأى لهم رأيا ، فذلك أولى وأحسن لهم من رأيهم فيجب أن يجعلوها فداءه إذا أعضل خطب ويتبعوا إلى ما دعاهم إليه ولا يتبعوا إلى ما تدعوهم (٢) إليه أنفسهم ، قال صلىاللهعليهوسلم : «ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة» (٣) ، أي في الشفقة والمرحمة من أنفسهم ومن آبائهم (٤) ، وقيل : من لم ير نفسه في ملك الرسول لم يذق حلاوة سنته (٥)(وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) أي أزواج النبي عليهالسلام مثل أمهاتهم في تحريم نكاحهن وحرمتهن دون النظر والخلوة والميراث ، فانهن في ذلك كالأجنبيات ، ولذلك لم يتعد هذا التحريم إلى بناتهن فلا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن إخوان المؤمنين ولا خالاتهن ، وأيضا هن أمهات الرجال لا أمهات النساء لقول عائشة رضي الله عنها «لست بأم نسائكم وإنما أنا أم الرجال» (٦) ، قوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) نزل حين كان النبي عليهالسلام يؤاخى بين الرجلين ، فاذا مات أحدهما ورثه الباقي منهما دون عصبته وأهله (٧) ، وطال ذلك ما شاء الله ، ثم نسخ بذلك (٨) ، أي ذووا القرابات أحق بالميراث (فِي كِتابِ اللهِ) أي في اللوح أو فيما أوحى الله إلى النبي عليهالسلام وهو هذه الآية ، وقوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) جاز أن يكون بيانا ل «أولي الأرحام» ، أي الأقرباء من هؤلاء بعضهم (٩) أولى (١٠) بأن يرث بعضا من الأجانب وجاز أن يتعلق ب (أَوْلى) ، ويكون (مِنْ) لابتداء الغاية ، أي وأولو الأرحام بحق القرابة (١١) أولى بالميراث من المؤمنين بحق الولاية في الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة ، قوله (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ) أي إلا أن توصلوا إلى الذين يوالونكم ويؤاخونكم من المؤمنين والمهاجرين للولاية في الدين (مَعْرُوفاً) استثناء منقطع لإباحة الوصية للأجانب ، أي الأقارب أحق بالميراث من الأجانب ، لكن فعل الوصية أولى للأجانب من الأقارب لأنه لا وصية لوارث ، والمراد من المعروف الوصية بثلث المال لا بما زاد عليه (كانَ ذلِكَ) أي المذكور في الآيتين جميعا (فِي الْكِتابِ) أي في اللوح (مَسْطُوراً) [٦] ويجوز أن يكون المشار إليه نسخ الميراث بالهجرة والمؤاخاة (١٢).
(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧))
(وَإِذْ أَخَذْنا) أي اذكر حين أخذنا (مِنَ النَّبِيِّينَ) عند إخراجهم من ظهر آدم كأمثال الذر (مِيثاقَهُمْ) أي عهدهم بأن يعبدوا الله ويدعوا الناس إلى عبادته ويصدق بعضهم بعضا ، ثم خص محمدا عليهالسلام بالذكر مع جماعة من الأنبياء ، وقدمه تشريفا له ولبيان أنه أفضل الأنبياء ، لأنهم أهل الشرائع عليهمالسلام فقال (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) أي وأخذنا منك ومن نوح (وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) [٧] أي جليل الشأن وعظيمه في بابه وهو العهد القديم الذي بعث عليه نوح ومن بعده وبعث عليه محمد خاتم الأنبياء ، وقيل : هو اليمين بالله على الوفاء بما حملوا (١٣) ، وإنما قدم نبينا على نوح ومن بعده عليهمالسلام لبيان أنه أفضل الأنبياء عليهمالسلام.
(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨))
قوله (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) تعليل لأخذ ميثاقهم ، أي أخذ الله ميثاقهم (١٤) عند الخطاب السابق
__________________
(١) يشاء ، وي : شاء ، ح.
(٢) تدعوهم ، وي : يدعوهم ، ح.
(٣) أخرجه البخاري ، الاستقراض ، ١١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤٣٣ ؛ والكشاف ، ٤ / ٣٥.
(٤) آبائهم ، ح ي : أوليائهم ، و.
(٥) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٦) انظر البغوي ، ٤ / ٤٣٤.
(٧) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٤٣٤.
(٨) هذا مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٣٨.
(٩) بعضهم ، ح : ـ وي.
(١٠) أولى ، وي : ـ و.
(١١) القرابة ، و : القرابات ، ح ي.
(١٢) نقله المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٤٣٤.
(١٣) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٥ / ٣٦.
(١٤) أي أخذ الله ميثاقهم ، وي : ـ ح.