فعلى والباء يتعلقان بأفعل أو هما مع مجرورهما للبيان لا للصلة ، لأن (عِتِيًّا) و (صِلِيًّا) مصدران لا يتقدم صلتهما عليهما ، فكأنه قيل على من عتيا فقيل عتيا على الرحمن وبأي مكان صليا فقيل صليا بالنار ، قيل : هم القادة في الكفر وساداتهم (١) ، يعني يبدأ بهم من طوائف الغي والفساد فيقدم أعصاهم فأعصاهم وأولاهم بالعذاب فأولاهم به على قدر ذنوبهم فيطرحون في النار على الترتيب ، ودركاتهم أسفل وعذابهم أشد.
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١))
ثم خاطب الناس جميعا بقوله (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) أي ما منكم أحد إلا وارد النار ، قال ابن عباس : «لما نزلت هذه الآية حزن لها الناس حزنا شديدا فأنشأوا يبكون فمكثوا عليه ثلاثة أيام» (٢) ، وقيل : سنتين (٣) ، ثم نزل آية التنجية ففرح المسلمون بها ، قال جابر سمعت رسول الله يقول : «الورود الدخول لكنها يكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، وعلى الكافر نارا» (٤) ، روي : «أن أهل الجنة يقولون : ألم يعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيقال : بلى ولكنكم مررتم بها وهي خادمة» (٥) ، وقيل : الورود الحضور (٦) ، والهاء للقيمة أو للنار ، قال ابن عباس : «قد يرد الشيء الشيء ولم يدخله كما يقال وردت القافلة البلد وإن لم تذخله ولكن قربت منه» (٧) ، وقيل : هو الجواز على الصراط ، لأن الصراط ممدود عليها (٨) ، وقيل : «المراد من الآية الكفار» (٩) ، فالمعنى بين ولو كانت الآية عامة فيشكل بقوله (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(١٠) ، فأجيب عنه بأن المراد عن عذابها ويدل على كون المراد منه الدخول العام آية الإنجاء في قوله (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً) مصدر بمعنى الإيجاب ، ثم سمي به الموجب ، أي كان ورودهم فيها من البر والفاجر واجبا على الله بايجابه (مَقْضِيًّا) [٧١] قضي به ، يعني حكم أن لا يكون غيره.
(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢))
(ثُمَّ نُنَجِّي) بالتخفيف والتشديد (١١)(الَّذِينَ اتَّقَوْا) من الشرك ، أي نخرج المتقين منها (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ) أي نترك المشركين (فِيها جِثِيًّا) [٧٢] على الركب حيث قال (وَنَذَرُ) ولم يقل وندخل ، وقيل : معنى (ثُمَّ نُنَجِّي) نسوق المتقين بعد ورود الكفار فيها إلى الجنة لا أنهم يواردونهم ثم يتخلصون (١٢).
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤))
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) أي موضحات للأحكام من الحلال والحرام أو مرتلات الألفاظ مبينات المعاني أو حججا وبراهين وهو حال مؤكدة ، لأن الآيات لا تكون إلا واضحة وحجحا (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أهل مكة كنضر بن الحارث وأصحابه لاختصاص علمهم بظاهر الحيوة الدنيا جهلا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي لأصحاب رسول الله عليهالسلام (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً) بضم الميم وفتحها (١٣) ، أي أهل أي دينين خير منزلا (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [٧٣] أي مجلسا يجتمع فيه للمشاورة وذلك بأنهم لبسوا الثياب وادهنوا الرؤوس وتطيبوا بالطيب وجاؤا مفتخرين بالزين الفاخرة من الثياب ، فقالوا ذلك احتقارا بالمؤمنين وقصدهم بذلك أن يصرفوهم عن
__________________
(١) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٣٣٠.
(٢) انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٣١.
(٣) قد أخذه المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ٣٣١.
(٤) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٣ / ٣٢٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٨.
(٥) عن خالد بن معدان ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٣٠ ؛ والبغوي ، ٣ / ٦٣٣.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٦٣٢.
(٧) انظر الكشاف ، ٤ / ١٨.
(٨) قد أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ١٨.
(٩) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٣ / ٦٣٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٨.
(١٠) الأنبياء (٢١) ، ١٠١.
(١١) «ننجي» : قرأ الكسائي ويعقوب باسكان النون الثانية وتخفيف الجيم وغيرهما بفتح النون وتشديد الجيم. البدور الزاهرة ، ٢٢٠.
(١٢) نقله عن الكشاف ، ٤ / ١٨.
(١٣) «مقاما» : ضم الميم الأولى ابن كثير وفتحها غيره. البدور الزاهرة ، ٢٠٠.