سورة طه
مكية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢))
قيل : لما نزل الوحي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة اجتهد في الصلوة وأطال القيام فيها ، وكان يصلي الليل كله حتى شق عليه ذلك وقام على إحدى رجليه ورفع أخرى فنزل (١)(طه) [١] قرئ بفتح الطاء والهاء ، وبكسرهما وبين الفتح والكسر ، وبفتح الطاء وكسر الهاء (٢) ، أي يا محمد طئ الأرض بقدميك جميعا ، وقيل : «معناه يا رجل بلسان عك» (٣) خطابا للنبي عليهالسلام ، وقيل : «طه قسم أقسم به الله تعالى» (٤) ، جوابه (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [٢] أي لتتعب به ، وقيل : إنه رد لقول المشركين إنك شقي تركت دين آبائك (٥) ، والشقاء يستعمل للتعب وضد السعادة ، أي أنت لست بسعيد ، فرده الله تعالى بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السبيل إلى نيل كل سعادة وما فيه الكفر هو الشقاوة بعينها.
(إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣))
قوله (إِلَّا تَذْكِرَةً) مفعول له ، أي ما أنزلناه عليك إلا عظة (لِمَنْ يَخْشى) [٣] أي لمن يسلم ويؤول أمره إلى الخشية من الله ولا يجوز أن يكون بدلا من (لِتَشْقى) لاختلاف الجنسين.
(تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤))
(تَنْزِيلاً) مصدر «أنزلنا» (٦) من غير لفظه ، أي أنزله تنزيلا (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) [٤] جمع العليا ، فيوصف (٧) به السماء للدلالة على عظم قدرة خالقها بعلوها.
(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦))
قوله (الرَّحْمنُ) رفع مبتدأ ، و (عَلَى الْعَرْشِ) متعلق بقوله (اسْتَوى) [٥] وهو خبر المبتدأ ، والجملة مسبوقة للمدح تعظيما لشأن المنزل ، أي هو استولى عليه وملكه ، لا شريك له فيه ، والعرش سرير الملك ، جعلوه كناية عن الملك ، يقال فلان على العرش يراد أنه ملك واستولى وإن لم يقعد على السرير البتة ، ثم بين بقوله (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من خلق أن كمال القدرة وتمام الملك مختص به تعالى ، قوله (وَما بَيْنَهُما) عطف على
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٣٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٥٥ (عن مقاتل) ؛ والبغوي ، ٤ / ٤ (عن الكلبي) ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٥.
(٢) «طه» : سكت أبو جعفر على طا وها ، والباقون بلا سكت. البدور الزاهرة ، ٢٠١. لعله أخذ هذه القراءة عن السمرقندي ، ٢ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤.
(٣) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٢٥.
(٤) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر البغوي ، ٤ / ٤.
(٥) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.
(٦) أنزلنا ، و : أنزلناه ، ح ي.
(٧) فيوصف ، ح ي : فتوصف ، و.