«ما» ، أي وله ما بينهما من جميع المخلوقات (وَ) له (ما تَحْتَ الثَّرى) [٦] وهو التراب الرطب مقدار خمسمائة عام تحت الأرض ، ولو لا ذلك لأحرقت النار الدنيا وما فيها ، وقيل : «هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة ، وهي صخرة خضراء فيها كتب الكفار اسمها سجين» (١) ، وقيل : «إن الأرض على الماء وهو على الحوت وهو على الصخرة وهي على قرني الثور وهو على الثرى ، ولا يعلم ما تحته إلا الله تعالى» (٢).
(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧))
قوله (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) إشارة إلى كمال علمه بعد بيان كمال قدرته وملكه ، أي إن تعلن بالقرآن أو بذكر الله من دعاء أو غيره ، فاعلم أنه غني عن جهرك (فَإِنَّهُ) أي لأنه (يَعْلَمُ السِّرَّ) أي ما أسررته إلى غيرك (وَ) يعلم (أَخْفى) [٧] من ذلك وهو ما أخطرته ببالك أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها ، وهذا الكلام إما نهي عن الجهر كقوله (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)(٣) ، وإما تعليم للعباد أن الجهر ليس لإسماع الله تعالى بل لغرض آخر.
(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨))
ثم بين الله تعالى لخلقه أنه واحد في المعبودية لا شريك له فيها بقوله (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا معبود في الأرض ولا في السماء إلا هو (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [٨] أي الصفات العلى التي يستحق بها الربوبية والعبادة لا غيره كالخالق الرازق المحيي المميت المثيب المعاقب ، و (الْحُسْنى) تأنيث الأحسن ، والسبب في فضل أسمائه في الحسن على سائر الأسماء دلالتها على معاني التقديس والتحميد والتعظيم والربوبية والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩))
ثم عقب آية «طه» بحديث موسى عليهالسلام بقوله (وَهَلْ أَتاكَ) استفهام بمعنى التقرير ، أي قد أتاك (حَدِيثُ مُوسى) [٩] أي خبره لتقتدي به في تحمل أعباء النبوة والصبر على مقاساة الشدائد لنيل الفوز العظيم عند الله والمقام المحمود ، يعني تأس بموسى يا محمد في تحمل شدائد الرسالة.
(إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠))
قوله (إِذْ رَأى) ظرف ل (حَدِيثُ مُوسى) وبيان له ، وقيل : تقديره اذكر إذ رأى (٤)(ناراً) من بعيد (فَقالَ لِأَهْلِهِ) أي لزوجته ومن معها ، قرئ «لأهله» بكسر الهاء وبضمها (٥)(امْكُثُوا) أي أقيموا مكانكم وقفوا (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي أبصرتها (٦) ، وذلك حين رجع من مدين إلى مصر بعد أن استأذن شعيبا عليهالسلام في الخروج إلى زيارة أمه وأخيه هرون ، فخرج بأهله وماله ، فولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مظلمة ذات ثلج ، وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ، ولا ماء عنده ، وقدح زنده فصلد ورأى نارا عند ذلك ، وقيل : إنه أخذ على غير الطريق مخافة من ملوك الشام فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي (٧) ، فقال قفوا هنا فاني رأيت نارا (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) وهو قطعة نار في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) [١٠] أي هاديا يدلنا على الطريق.
__________________
(١) عن السدي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٣٦ ؛ والكشاف ، ٤ / ٢٦.
(٢) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٣٣٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٤. وقال أبو إسحاك إبراهيم اطفيش ـ وهو محقق «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ـ : «هذه الرواية وما شاكلها رواها عن ابن عباس رواة كثيرة غير ثقات ، وقد تكلم العلماء في هذه الرواية وأمثالها». انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، ١١ / ١٦٩ (في ملاحظة هامشية ثانية). وقال ابن كثير في تفسيره بعد أن روى نحو هذه الرواية : «هذا حديث غريب جدا ، ورفعه فيه نظر». انظر تفسير القرآن العظيم ، ٥ / ٢٦٨ ، ٦ / ٣٤٠.
(٣) الأعراف (٧) ، ٢٠٥.
(٤) لعله اختصره من الكشاف ، ٤ / ٢٧.
(٥) «لأهله» : قرأ حمزة وصلا بضم الهاء والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ٢٠١.
(٦) أبصرتها ، و : أبصرت ، ح ي.
(٧) ولم أجد له مأخذا في المصادر التي راجعتها.