(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢))
(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ) أي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما يدعو إليها من الإيمان بالقرآن (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) أي ليس له (١) مهرب من عذاب الله (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله تعالى (أَوْلِياءُ) أي أنصار يمنعونه من عذابه (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٣٢] أي خطأ بين ، روي : أنهم جاؤا بعد هذا الإنذار إلى النبي عليهالسلام بمكة فلقيهم بالبطحاء فقرأ عليهم القرآن فأمرهم ونهاهم وسألوه الرزق فأعطاهم عظما رزقا لهم ولدوابهم روثا رزقا لها (٢).
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣))
(أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم يعتبر أهل مكة ولم يتفكروا أو لم يخبروا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ) أي لم يعجز عنه ، من عيي بالشيء إذا لم يعرف وجهه (بِقادِرٍ) الباء زائدة و «قادر» رفع خبر (أَنَّ) ، وجاز زيادة الباء فيه لاشتمال النفي في (أَوَلَمْ يَرَوْا) على (أَنَّ) ومدخولها ، كأنه قيل أليس الله بقادر (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) أي على إحيائهم ، وأكد تقرير القدرة عليه بقوله (بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [٣٣] من الإحياء والبعث.
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤))
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يقال لهم يوم يجاء بهم (عَلَى النَّارِ) وينظرون إليها (أَلَيْسَ هذا) أي التعذيب (بِالْحَقِّ) وكنتم به تكذبون في الدنيا (قالُوا) أي قال الكفار فرعون (بَلى) إنه الحق (وَرَبِّنا) قسم ، أي والله فيقرون حين لا ينفعهم إقرارهم (قالَ) الله تعالى (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [٣٤] أي تكذبون الحق.
(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))
(فَاصْبِرْ) يا محمد على أذى كفار مكة وتكذيبهم (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) أي أولوا الثبات والصبر على الشدائد (مِنَ الرُّسُلِ) «مِنَ» فيه تبيين وهم (٣) نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم سوى آدم صلوات الله عليهم أجمعين لقوله تعالى (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٤) وسوى يونس لقوله تعالى (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(٥)(وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)(٦) بنزول العذاب بهم ، فانه نازل بهم لا محالة (كَأَنَّهُمْ) أي يكون حالهم في ظنهم (يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) من شدة العذاب بمثابة أنهم (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً) في الدنيا أو في القبر فاستقصروا مدة لبثهم فظنوها ساعة (مِنْ نَهارٍ) في الدنيا (بَلاغٌ) أي هذا القرآن تبليغ الرسول من الله إلى الناس ، وفيه كفاية لهم للإنذار والموعظة أو هذا البعث أجل مبلوغ إليه ، فاذا بلغوا ذلك الأجل (فَهَلْ يُهْلَكُ) فيه العذاب ، أي ما يهلك (إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) [٣٥] أي الخارجون عن الاتعاظ والعمل بمواجبه.
__________________
(١) له ، وي : ينجي ، ح.
(٢) وهذا منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٢٣٧.
(٣) وهم ، و : وهو ، ح ي.
(٤) طه (٢٠) ، ١١٥.
(٥) القلم (٦٨) ، ٤٨.
(٦) أي ، + ح ي.