نزل حين جاء رجل وسأل عن والده ، إنه كان محسنا في كفره ، قال هو في النار فولى الرجل يبكي فدعاه فقال له والدك ووالدي ووالد إبراهيم في النار فسكت (١) ، وقيل : نزل في رؤساء أهل بدر (٢)(فَلا تَهِنُوا) الفاء فيه في جواب شرط محذوف ، أي إذا جاهدتم الكفار فلا تهنوا ، أي لا تضعفوا عن عدوكم (وَتَدْعُوا) أي لا تدعوا (إِلَى السَّلْمِ) أي الصلح ، لأنه في حكم النهي ، يعني لا تطلبوا من الكفار الصلح ابتداء (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي والحال أنكم الأغلبون الأقهرون (وَاللهُ مَعَكُمْ) بالعون والنصرة وهذا نهي للمسلمين عن طلب صلح الكافرين ويدهم عالية عليهم ، لأن فيه ترك الجهاد (وَلَنْ يَتِرَكُمْ) أي لن ينقصكم (أَعْمالَكُمْ) [٣٥] أي ثوابها أو لن يترككم منفردين بلا عمل ، من وترت الرجل ، أي قتلت حميمه وتركته منفردا ، ومنه قوله عليهالسلام : «من فاتته صلوة العصر فكأنما وتر أهله وماله» (٣) ، أي أفرد عنهما قتلا ونهبا.
(إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦))
(إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ) أي باطل (وَلَهْوٌ) أي فرح (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) أي إن تستقيموا على التوحيد (وَتَتَّقُوا) النفاق (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) أي ثواب أعمالكم (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) [٣٦] أي شيئا من أموالكم ، يعني لا يأمركم بالإيمان يسأل أموالكم ، بل ليثيبكم بالإيمان أو لا يسألكم الرسول على تبليغ الرسالة أجرا وجعلا أو لا يسألكم جميع أموالكم بل يسألكم الزكوة المفروضة وهي أيضا لأجلكم في الآخرة.
(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧))
(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) أي جميعها (فَيُحْفِكُمْ) أي فيبالغ في طلبها ، من أحفى إذا ألح وبالغ في طلب شيء (تَبْخَلُوا) بالرفع (وَيُخْرِجْ) أي الله أو البخل (أَضْغانَكُمْ) [٣٧] أي أحقادكم وبغضكم لدين يذهب بأموالكم.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) قرئ بالمد والهمزة وبمد طويل بغير همزة ف (ها) تنبيه ، وبهمزة بغير مد (٤) ف (ها) بدل من همزة الاستفهام في «أأنتم» ، و «أولاء» موصول بمعنى الذين ، أي اعلموا أيها المخاطبون أنتم الذين (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا) أي لتتصدقوا (فِي سَبِيلِ اللهِ) ما فرض عليكم من الزكوة أو لتنفقوا في الغزو للضعفاء منكم (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) بالنفقة في سبيل الله من الصدقة أو الفرض (وَمَنْ يَبْخَلْ) في سبيله (فَإِنَّما يَبْخَلُ) أي يمنع الثواب (عَنْ نَفْسِهِ) أي جزاء بخله مختص بنفسه (وَاللهُ الْغَنِيُّ) عنكم وعن نفقتكم ، يعني لا يأمركم به لحاجته إليه لاستحالتها عليه ، وإنما يأمر به لحاجتكم ومنفعتكم (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إلى ما عند الله من الثواب والمغفرة والنعمة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) أي إن تعرضوا عن أمره وطاعته (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي يهلككم ويأت قوما آخرين خيرا وأطوع منكم وهم الأنصار أو أهل اليمن (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [٣٨] أي أشباهكم في المعصية والمخالفة ، وقيل : هم الملائكة (٥) ، روي : أنه صلىاللهعليهوسلم سئل عن هؤلاء الآخرين وعنده سلمان الفارسي فوضع النبي عليهالسلام يده عليه وقال : «هذا وقومه» ، يعني أبناء فارس ، ثم قال : «لو كان الإيمان معلقا بالثريا ليناله رجل من أبناء فارس» (٦).
__________________
(١) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٧.
(٢) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٧.
(٣) رواه مسلم ، المساجد ، ٢٠٠ ، ٢٠١.
(٤) «ها أنتم هؤلاء» : قرأ قالون وأبو عمرو وأبو جعفر بألف بعد الهاء وتسهيل الهمزة مع المد والقصر إلا أبا جعفر والسوسي فبالقصر فقط وورش بتسهيل الهمزة من غير ألف قبلها وعنه أيضا إبدالها ألفا مع المد المشبع للساكنين ، وقنبل بتحقيق الهمزة من غير ألف قبلها والبزي والشامي والكوفيون ويعقوب بتحقيق الهمزة مع ألف قبلها ، وكل على أصله في المنفصل. البدور الزاهرة ، ٢٩٨.
(٥) نقل المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ٢٦٩.
(٦) أخرجه مسلم ، فضائل الصحابة ، ٢٣١ ؛ والترمذي ، المناقب ، ٧٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٤٨ ؛ والبغوي ، ٥ / ١٦٤ ؛ والكشاف ، ٥ / ٢٦٩.