سورة الفتح
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١))
قوله (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [١] قيل : نزل بعد نزول قوله (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ) ما (بِي وَلا بِكُمْ)(١) ، وقال المشركون لم تتبعون رجلا لا يدري ما يفعل به ولا بمن تابعه ، فلما قدم المدينة غيرهم المنافقون بذلك أيضا (٢) ، فعلم الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن وما في قلوب الكافرين من الفرح ، فجاء جبرائيل بذلك والفتح الظفر بالخير بعد انغلاقه ، أي قضينا لك الظفر بالبلد عنوة أو صلحا بحرب أو غيره قضاء بينا أو هو فتح مكة أو صلح الحديبية ، لأنه كان سبب الفتح كما يجيء.
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢))
(لِيَغْفِرَ) أي فتحنا لك ليغفر (لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) في الجاهلية (وَما تَأَخَّرَ) بعدها إلى وقت نزول هذه الآية أو الصغائر عند من جوزها على الأنبياء عليهمالسلام أو يغفر بسببك ما تقدم من ذنب أبويك آدم وحواء وما تأخر من ذنوب أمتك (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالرسالة إلى العرب والعجم ، وبالشفاعة المطاعة ودخول الجنة والمحل الأدنى وهو القرب الأعلى (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) [٢] أي يثبتك طريق الأنبياء.
(وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣))
(وَيَنْصُرَكَ اللهُ) على أعداء الدين (نَصْراً عَزِيزاً) [٣] باظهار الإسلام وقوته بحيث لا يكون بعده ضعف ولا ذل ، قيل : كيف أوقع فتح مكة علة للمغفرة وهو فعل الله تعالى؟ أجيب بأنه انما أوقع فتح مكة علة لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة لا للمغفرة فقط ، لأنها متقدمة عليه بمعنى يسرنا لك فتح مكة ليجتمع لك هذه الأمور التي هي عز الدنيا والآخرة ، ويجوز أن يكون فتح مكة سببا للمغفرة من حيث إنه جهاد للعدو (٣).
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤))
وأكد الفتح بقوله (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) أي الوقار والطمأنينة ، يعني التمكن والسكون من غير اضطراب في الدين والبيعة (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) بسبب الصلح والأمن بفتح مكة أو بسبب ما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الشرائع (لِيَزْدادُوا إِيماناً) أي يقينا (مَعَ إِيمانِهِمْ) الذي هم عليه وهو التوحيد ، فكلما نزلت فريضة بعد شهادة أن «لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» ازدادوا يقينا مع يقينهم ، لأنهم لما صدقوه زادهم الصلوة
__________________
(١) الأحقاف (٤٦) ، ٩.
(٢) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٤٩ ؛ وأنظر أيضا الواحدي ، ٣١٥ (عن ابن عباس).
(٣) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٦ / ٢.