(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) أي بالتوحيد وهو شهادة أن «لا إله إلا الله» (وَدِينِ الْحَقِّ) وهو دين الإسلام (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قبل أن تقوم (١) الساعة فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [٢٨] أي شاهدا بأن محمدا رسول الله وإن لم يشهد كفار مكة وهو جواب لقولهم إنا لا نعرف أنك رسول الله ولا نشهد ، وذلك حين أراد أن يكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ومنعوه فقال تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) أي المؤمنون الذين مع محمد عليهالسلام (أَشِدَّاءُ) لله (عَلَى الْكُفَّارِ) بالغلظة لا يرحمونهم لأنهم أعداء الله (رُحَماءُ) أي متحابون في الله (بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) أي يكثرون الصلوة لله تعالى (يَبْتَغُونَ) أي حال كونهم يطلبون (فَضْلاً مِنَ اللهِ) أي ثوابه في الآخرة (وَرِضْواناً) أي ورضاه عنهم (سِيماهُمْ) أي علامتهم هنا (فِي وُجُوهِهِمْ) يعني ثابتة في وجوههم (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) في الدين وهو استنارتها من كثرة الصلوة وسهر الليل ، وقيل : هو صفرة الوجوه (٢) بلا آفة وقبول طباع المسلمين أو غلظة جلد الجبهة التي يحدث من وضعها على الأرض من غير رياء ونفاق نعوذ بالله منه أو في الآخرة ، فالأثر نور وبياض يعرفون به فيها (ذلِكَ مَثَلُهُمْ) أي المذكور صفتهم (فِي التَّوْراةِ) قوله (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) مبتدأ ، خبره (كَزَرْعٍ) ويجوز أن يكون عطفا على (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) ، و (كَزَرْعٍ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هم كزرع (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) وهو فراخ الزرع وسنبله (فَآزَرَهُ) مدا وقصرا (٣) ، أي قواه وأعانه (فَاسْتَغْلَظَ) أي صار من الرقة إلى الغلظة (فَاسْتَوى) أي استقام (عَلى سُوقِهِ) أي على أصوله وهي جمع ساق وهو قصبة الزرع ، المعنى : أن فراخ الزرع إذا قوى فساوى الزرع ارتفاعا (يُعْجِبُ) ذلك الزرع (الزُّرَّاعَ) الذين زرعوه إذا نظروا إلى زرعهم ، فكذلك النبي عليهالسلام تبعه أبو بكر رضي الله عنه بزرع حبة الإيمان في أرض قلبه ثم تبعه واحد بعد واحد من الصحابة كذلك حتى كثروا بعد أن كانوا قليلا وقووا بعد أن كانوا ضعفاء ، ففرح رسول الله عليهالسلام بذلك ، قوله (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) تعليل لكثرتهم وتقويهم ، لأن أهل مكة كانوا يكرهون ما رأوا من كثرة المسلمين وقوتهم ، قوله (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) زيادة لغيظهم بما أعد للمؤمنين في الآخرة مع هذه العزة في الدنيا ، قوله (مِنْهُمْ) يجوز أن يكون (مِنَ) في لبيان الجنس ، ويجوز أن يكون بمعنى اللام متعلقا ب (مَغْفِرَةً) ، أي لهم وهم أصحاب محمد عليهالسلام ، أي وعد لهم (مَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) [٢٩] أي ثوابا وافرا في الجنة ، روي عن قتادة فيهم أنه قال : «مكتوب في الإنجيل يخرج قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (٤) ، وعن عكرمة رضي الله عنه : «أخرج شطأه بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلي رضي الله عنهم أجمعين» (٥).
__________________
(١) تقوم ، ح و : يقوم ، ي.
(٢) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٥ / ١٩٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٥٩.
(٣) «فآزره» : قرأ ابن ذكوان بقصر الهمزة ، وغيره بمدها. البدور الزاهرة ، ٣٠٠.
(٤) انظر البغوي ، ٥ / ١٩١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٠.
(٥) انظر الكشاف ، ٦ / ١٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٥٩ ؛ والبغوي ، ٥ / ١٩١.