سورة الحجرات
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١))
نزل قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا) في قوم ذبحوا قبل أن يصلي النبي عليهالسلام صلوة العيد (١) ، أي يوم النحر فأمرهم النبي عليهالسلام أن يذبحوا آخر ، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمهالله إلا أن تزول الشمس فانه لا ذبح بعد الزوال ، بل يعطى للفقراء حيا ، وعند الشافعي رحمهالله يجوز الذبح إذا قضى من الوقت مقدار الصلوة (٢) أو هو عام في كل قول وفعل في مجلس النبي عليهالسلام أن لا يسبقوه بالجواب والسؤال والعمل قبل إذنه عليهالسلام ، يعني أيها المؤمنون لا تعجلوا بتقديم أمر (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) وهو مجاز ، أي بين يدي أمرهما ، يعني لا تفعلوا أمرا إذا أمرتم به قبل الوقت الذي أمرتم به فيه ولم يذكر المفعول ليتناول كل ما يقع في النفس مما يقدم فيه منهيا عنه ، وقيل : «قدم» بمعنى تقدم (٣) ، أي لا تسبقوا في فعل المأمور به قبل إذنهما (وَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفة أمر الله ورسوله (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لقولكم (عَلِيمٌ) [١] بحالكم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا) نزل فيمن رفع صوته لدى النبي عليهالسلام ، وهو ثابت بن قيس وكان في أذنه وقر وكان إذا تكلم رفع صوته ، وربما كان يكلم رسول الله عليهالسلام فيتأذى بصوته (٤) ، وقيل : نزل فيمن كان يرفع صوته من المنافقين (٥) ، فخاطب المؤمنين بالنهي ليندرج المنافقون تحت النهي ليكون الأمر أغلظ وأشق عليهم ، أي لا تعلوا (أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) صلىاللهعليهوسلم) إذا نطق ونطقتم ، بل اخفضوا الصوت لديه ولا تجاوزوا الحد الذي يبلغه صوته (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) أي لا تدعوا له باسمه (كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي كما يدعو بعضكم بعضا باسمه ، ولكن عظموه وقولوا يا رسول الله ويا نبي الله ، ولا تقولوا يا محمد ويا أحمد ، وقيل معناه : لا تجهروا له بالقول إذا كان صامتا ولكن تعمدوا في مخاطبته القول اللين كمخاطبة المهيب المعظم ولا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم (٦)(أَنْ تَحْبَطَ) أي خافة أن تبطل (أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [٢] أن ذلك يحبطها لاستخفاف النبي عليهالسلام لأن مستخفه يكفر به ، فقوله (أَنْ تَحْبَطَ) مفعول له يتعلق بالنهي الثاني عند البصري مقدرا إضماره في الأول ، وبالعكس عند الكوفي ، وأيا ما كان يرجع المعنى إلى أن الرفع والجهر يؤدي إلى حبوط العمل.
__________________
(١) عن الحسن ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٦٠ ؛ والبغوي ، ٥ / ١٩٥ ؛ والكشاف ، ٦ / ١١.
(٢) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ١٢.
(٣) هذا الرأي منقول عن الكشاف ، ٦ / ١١.
(٤) عن ابن عباس ، انظر الكشاف ، ٦ / ١٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٦١ ؛ والواحدي ، ٣١٧ ـ ٣١٨.
(٥) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٦ / ١٣.
(٦) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ١٢.