شك فيه (١) ، لأنه واضح بالدلائل القطعية والمراد منه نبوته أو القرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) أي حين مجيئه إياهم (فَهُمْ) أي قريش في شأن محمد والقرآن (فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) [٥] أي في قول مضطرب ، لأنهم قالوا مرة هو ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن ومرة مجنون وللقرآن شعر وسحر وكهانة ، المعنى : أنهم لم يثبتوا على حال في شأنهما.
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦))
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) أي أنكروا البعث فلم ينظروا (إِلَى) خلق (السَّماءِ) الذي يدل على قدرته على البعث (٢) بعد الموت ، وهو أعظم خلقه فيعتبرون حين أنكروه ، قوله (فَوْقَهُمْ) ظرف ل (يَنْظُرُوا) أو حال من «السَّماءِ» (كَيْفَ بَنَيْناها) بلا عمد (وَزَيَّنَّاها) بالكواكب (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) [٦] أي من شقوق وخلل ، يعني هي سليمة من كل عيب.
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨))
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) أي بسطناها على وجه الماء منصوب بفعل يفسره ما بعده (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أي الجبال الثوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أي صنف (بَهِيجٍ) [٧] أي حسن يسر به من الثمار والنبات. قوله (تَبْصِرَةً) مفعول له ، أي خلقها الله تعالى للاعتبار بالبصيرة (وَذِكْرى) أي لعظة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [٨] أي رجاع إلى توحيد الله وطاعته.
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١))
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) أي كثير الخير والبركة ، لأنه يحيى به كل شيء (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ) أي بساتين (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [٩] أي حب الزرع والنبت الذي من شأنه أن يحصد كالحنطة والشعير.
(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) أي أنبتنا به النخل حال كونها طوالا في السماء مواقير بالحمل (لَها طَلْعٌ) أي ثمر كثير أو الكفرى وهي أول ما يخرج من النخل مثل لسان البقر فيه ثمر (نَضِيدٌ) [١٠] أي نضد وركب بعضه فوق بعض.
(رِزْقاً لِلْعِبادِ) مفعول له ، أي ليكون طعاما للخلق (وَأَحْيَيْنا بِهِ) أي بالماء (بَلْدَةً مَيْتاً) أي يابسة لا نبات فيها ، فهذا كله بيان بركات المطر ، قوله (كَذلِكَ) مرفوع المحل خبر المبتدأ وهو (الْخُرُوجُ) [١١] من القبر ، يعني مثل ذلك الإحياء يخرجون من القبور ، روي : أنهم لما ماتوا بقيت الأرض خالية ميتة فأمطرت السماء أربعين ليلة كمني الرجال يدخل في الأرض فينبت لحومهم وعروقهم وعظامهم ، ثم يحييهم ويخرجهم من تحت الأرض (٣).
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤))
قوله (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) الآية فيه تسلية للنبي عليهالسلام ليصبر على أذى كفار قريش ، أي كذبت قبل قريش (قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ) وهو بئر قريب من اليمامة (٤)(وَثَمُودُ [١٢] وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) [١٣] أي قومه.
(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي قوم شعيب (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) وهو تبع الحميري وكان رجلا صالحا يعبد الله تعالى وترك دين قومه ، وقيل : كان اسمه أسعد وكنيته أبو كرب (٥)(كُلٌّ) أي كل قوم المذكورين (كَذَّبَ الرُّسُلَ) كما كذبك
__________________
(١) فيه ، وي : ـ ح.
(٢) على البعث ، ح و : بالبعث ، ي.
(٣) هذا منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٢٧٠.
(٤) راجع في هذا الموضوع إلى تفسير قوله «وَعاداً وَثمودا وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً» ، رقم الآية (٣٨) من سورة الفرقان.
(٥) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٧٠.