(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣))
(يَسْئَلُونَ) أي الكفار يسألون استهزاء (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [١٢] أي أي وقت وقوع يوم الحساب بحذف المضاف عن ال (يَوْمَ) ، فأخبر الله تعالى عن ذلك اليوم بقوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [١٣] أي يعذبون بالإحراق ، و (يَوْمَ هُمْ) منصوب بمضمر دل عليه السؤال أو مفتوح محله نصب كذلك ، أي يقع الوقوع يومهم أو خبر مبتدأ محذوف ، فمحله رفع ، وبني على الفتح لفظا لإضافته إلى الجملة بعده.
(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧))
(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أي يقال لهم إذا عذبوا ذوقوا جزاء تكذيبهم (هذَا) أي العذاب الواقع بكم ، مبتدأ ، خبره (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) [١٤] على وجه الاستهزاء ، ثم بين حال المصدقين بالبعث بقوله (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [١٥] أي في بساتين وأنهار (آخِذِينَ) حال منهم ، أي قابلين وراضين بسرور (ما آتاهُمْ) أي أعطاهم (رَبُّهُمْ) من الثواب ، يعني ليس فيه ما يرد ، لأنه في غاية الجودة (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) أي في الدنيا (مُحْسِنِينَ) [١٦] في أعمالهم ، وبين ذلك بقوله (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) [١٧] أي ينامون ، و (ما) زائدة و (قَلِيلاً) صفة مصدر محذوف ، أي هجوعا قليلا ، و (يَهْجَعُونَ) خبر «كان» ، يعني يذكرون ويصلون أكثر الليل ، وينامون أدناه ولا يصح أن يكون (ما) نافية ، ويكون المعنى : كانوا يحيون الليل كله ، لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨))
(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [١٨] من سيئاتهم ، قيل : يا رسول الله كيف الاستغفار؟ قال : «قولوا اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم» (١).
(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠))
(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ) أي نصيب (لِلسَّائِلِ) أي الذي يستجدي (وَالْمَحْرُومِ) [١٩] أي المتعفف الذي لا يسأل فيحرم لتعففه ، لأنه يحسب غنيا (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) أي علامات ودلائل على التوحيد (لِلْمُوقِنِينَ) [٢٠] أي للموحدين السالكين طريق الهدى الناظرين بعيون باصرة ، فكلما رأوا آية من آيات الأرض كالبحار والأنهار والجبال والأشجار وغير ذلك عرفوا وجه تأملها فازدادوا يقينا مع يقينهم في إيمانهم.
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢))
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أي وفي خلق أنفسكم آيات أيضا تنقلها من حال إلى حال إلى الزوال ، وفي ظواهرها وبواطنها من عجائب الفطر وبدائع الخلق ما تتحير فيه العقول والأفهام (أَفَلا تُبْصِرُونَ) [٢١] صنع الله فتستدلون به على صانعه فتعلمون أنه قادر على أن يبعثكم بعد موتكم (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) أي المطر الذي جعل سببا له (وَما تُوعَدُونَ) [٢٢] من الثواب والعقاب ، قيل : «الجنة والنار في السماء» (٢) ، وقيل : معناه أن الموعود كله مقدر مكتوب في السماء (٣).
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣))
(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أقسم الله بنفسه (إِنَّهُ) أي إن ما ذكر من الآيات والرزق وأمر النبي عليهالسلام (لَحَقٌّ) أي لصدق (٤) لا ريب فيه (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [٢٣] أي مثل نطقكم ، ونصب «مثل» صفة مصدر
__________________
(١) روى ابن ماحة نحوه ، الأدب ، ٥٧.
(٢) ذكر الضحاك نحوه ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٢٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٣٥.
(٣) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٣٥.
(٤) لصدق ، ح : صدق ، وي.