(الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤))
ثم وصفهم بقوله (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ) أي في اندفاع في الباطل (يَلْعَبُونَ) [١٢] استهزاء بالرسول (١)(يَوْمَ يُدَعُّونَ) ظرف للقول المقدر ، أي يقال لهم تبكيتا يوم يدفعون بعنف (إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [١٣] أي دفعا عنيفا بأن يجمع أيديهم إلى أعناقهم ونواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يدفعون في النار ، والمقول لهم (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [١٤] في الدنيا.
(أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥))
(أَفَسِحْرٌ هذا) أي العذاب الذي ترون لأنفسكم ، لأنهم قالوا للرسل قولهم سحر (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) [١٥] النار ، والاستفهام للتقريع ، أي أأنتم عمي عن هذا (٢) المخبر عنه كما كنتم عمياء عن خبره.
(اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦))
(اصْلَوْها) أي ادخلها (فَاصْبِرُوا) عليها (أَوْ لا تَصْبِرُوا) قوله (سَواءٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي صبركم وعدمه سواء (عَلَيْكُمْ) لأن صبركم لا ينفعكم لعدم النجاة لكم منها أبدا (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [١٦] في الدنيا من (٣) الشرك والتكذيب فلا منفعة للصبر.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨))
قوله (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) بيان لحال المتقين من الشرك والتكذيب ، أي إنهم يوم القيامة (فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) [١٧] أي تنعم بأنواع النعم (فاكِهِينَ) أي متلذذين فرحين (بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) في الجنة من الكرامة ، قوله (وَوَقاهُمْ) عطف على (فِي جَنَّاتٍ) أو على (آتاهُمْ) ، أي حفظهم ودفع عنهم (رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [١٨] أي النار.
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩))
ثم يقال لهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا) من ألوان الطعام والشراب (هَنِيئاً) أي هنأكم الأكل والشرب ، لأنه لا تنغيص فيه ولا خوف من الآفات كما كان في الدنيا.
قوله (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [١٩] متعلق ب (هَنِيئاً) أو متعلق ب (كُلُوا وَاشْرَبُوا) ، أي بسبب أعمالكم التي عملتم في الدنيا.
(مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١))
قوله (مُتَّكِئِينَ) حال من ضمير (فِي جَنَّاتٍ) عائد إلى «الْمُتَّقِينَ» (عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) أي قد صف بعضها إلى جنب بعض (وَزَوَّجْناهُمْ) أي قرناهم (بِحُورٍ عِينٍ) [٢٠] أي ببيض (٤) حسان الأعين وعظامها.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي وبالرفقاء والجلساء الذين صدقوا بالرسل والبعث ، يعني يتلذذون تارة بمصاحبة الحور وتارة بموانسة الإخوان المؤمنين (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) وقرئ «ذرياتهم» بضم التاء فيهما فاعلا و (أَتْبَعْناهُمْ) بقطع الهمزة وسكون التاء والعين مع جمع «ذرياتهم» (٥) ، وكسر التاء فيه مفعولا ثانيا ل «أَتْبَعْناهُمْ» (بِإِيمانٍ) بالرسل والبعث إن كانوا كبارا ، فالتنوين فيه للتقليل أو بايمان آبائهم إن كانوا صغارا ، فالتنونين للتعظيم (أَلْحَقْنا بِهِمْ
__________________
(١) بالرسول ، وي : بالرسل ، ح.
(٢) هذا ، وي : هذه ، ح.
(٣) من ، وي : بين ، ح.
(٤) ببيض ، ح : بيض ، وي.
(٥) «ذريتهم» : قرأ البصري بألف بعد الياء على الجمع مع كسر التاء ، وابن عامر ويعقوب بألف بعد الياء على الجمع أيضا مع رفع التاء ، والباقون بحذف الألف على التوحيد مع رفع التاء. البدور الزاهرة ، ٣٠٥.