(أَلَّا تَطْغَوْا) أي لئلا تجوروا ، ويجوز أن يكون نهيا و «أن» مفسرة والقول مقدر ، أي قل لهم لا تجوروا (فِي الْمِيزانِ) [٨] سواء وزنتم أو اتزنتم ، وأكده بقوله (وَأَقِيمُوا) أي قوموا (الْوَزْنَ) للناس (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (وَلا تُخْسِرُوا) أي لا تنقصوا (الْمِيزانَ) [٩] أي الموزون الذي هو حق الناس ، خسر بالفتح وأخسر واحد.
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢))
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها) أي الذي وضع الأرض ، يعني بسطها على الماء (لِلْأَنامِ) [١٠] أي للناس أو للإنس والجن (فِيها) أي في الأرض (فاكِهَةٌ) أي ضروب مما يتفكه به (وَ) فيها (النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) [١١] وهي أوعية ثمر النخل ، الواحد كم بكسر الكاف (وَ) فيها (الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ) وهو ورق الزرع ، وقيل : التبن (١)(وَالرَّيْحانُ) [١٢] أي ذو الريحان وهو الرزق أو ما يشم ، وقرئ والحب ذا العصف والريحان بالنصب (٢) على تقدير خلق ، أي وخلق الحق والريحان بدلالة وضعها ، يعني خلق المذكورات لهم نعمة عليهم ليوحدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئا.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣))
قوله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [١٣] خطاب للثقلين بالإشارة إلى نعمه عليهم بدلالة الأنام عليهما ، أي فبأي نعمة من نعماء ربكما أيها الإنس والجن تتجاحدان أنها ليست منه تعالى ، وال (آلاءِ) جمع إلى كمعا وهي النعم الظاهرة كالتوحيد ، والنعماء النعم الباطنة كمعرفة القلب ، وكررت هذه الآية في هذه السورة تقريرا لنعمة الله وتذكيرا بها وتوبيخا لمنكريها ، روي : أن النبي عليهالسلام قرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكتوا ، فقال عليهالسلام : «الجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهما فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا : ولا نكذب بشيء من آلائك يا ربنا فلك الحمد» (٣).
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤))
(خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي آدم (مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين يابس يتصوت من يبسه ولا يرد عليه قوله (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(٤) ، (مِنْ طِينٍ لازِبٍ)(٥) ، أي من تراب ، لأن الكل متفق في المعنى ، إذ هو يفيد أنه خلقه من تراب جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصالا (كَالْفَخَّارِ) [١٤] أي كما يتصوت الفخار وهو الطين المطبوخ ، صفة (صَلْصالٍ).
(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥))
(وَخَلَقَ الْجَانَّ) أي إبليس أو أبا الجن (٦)(مِنْ مارِجٍ) أي من (٧) لهب صاف من دخان فيه ، قوله (مِنْ نارٍ) [١٥] نعت (مارِجٍ) للبيان ، كأنه قيل من صاف من نار أو مختلط من نار ، وقيل : هي نار بين السماء وبين (٨) الحجاب الرقيق ، منها يكون البرق.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦))
ثم قال (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [١٦] أي كيف تنكرون هذه النعمة انها ليست من الله ، فانه خلقكم أيها الإنسان من نفس واحدة ، وخلقكم أيها الجن من نفس واحدة فلا خالق لكم سواه.
__________________
(١) عن ابن عباس في رواية الوالي ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٧١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٠٥ (عن الضحاك).
(٢) «والحب ذو العصف والريحان» : قرأ ابن عامر بنصب الباء الموحدة والذال وألف بعدها تحذف وصلا وتثبت وقفا ، وبنصب النون والأخوان وخلف برفع الباء والذال وواو بعدها تحذف وصلا وتثبت وقفا وخفض النون ، والباقون برفع الثلاثة. البدور الزاهرة ، ٣١٠.
(٣) روى الترمذي نحوه ، تفسير القرآن ، ٥٥.
(٤) الحجر (١٥) ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣.
(٥) الصافات (٣٧) ، ١١.
(٦) أو أبا الجن ، و : وأبا الجن ، ي ، والجن ، ح.
(٧) من ، ح : ـ وي.
(٨) بين ، ح و : ـ ي.