الآخرين ، أي السابقون قليلون من آخر هذه الأمة (عَلى سُرُرٍ) أي الفريقان من السابقين في الجنة على سرر (مَوْضُونَةٍ) [١٥] أي منسوجة بالدار والياقوت والجواهر بعضها أدخل في بعض كالحصير المرمول والدرع المسرود (مُتَّكِئِينَ) أي ناعمين (عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) [١٦] أي لا ينظر بعضهم إلى قفاء بعض.
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩))
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) [١٧] أي مبقون على سن واحد في شكل الأولاد أبدا للخدمة بهم ، وقيل : «أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها» (١)(بِأَكْوابٍ) أي يوطف عليهم ولدان بآنية لا عرى لها (وَأَبارِيقَ) أي آنية لها عرى وخراطيم (وَكَأْسٍ) أي وبكأس ، وهو قدح مملوء تشربونه من خمر جارية (مِنْ مَعِينٍ) [١٨] أي منبع لا ينقطع أبدا (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) أي لا يصدع رؤوسهم بشرب الخمر في الآخرة كخمر الدنيا (وَلا يُنْزِفُونَ) [١٩] معلوما ومجهولا (٢) ، من أنزف إذا ذهب ، أي لا تذهب عقولهم بشربها كما كانت تذهب في الدنيا.
(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١))
قوله (وَفاكِهَةٍ) عطف على (بِأَكْوابٍ) ، أي يطوف عليهم ولدان بفاكهة (مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [٢٠] أي يختارون من ألوانها (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [٢١] أي يتمنون مشويا أو مطبوخا ، قيل : «إذا خطر ذلك على قلب أحد منهم يجاء به على ما اشتهى» (٣) أو يقع على الصحفة (٤) ، أي القصعة (٥) ، فيأكل منه ما اشتهى ثم يطير.
(وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤))
قوله (وَحُورٌ عِينٌ) [٢٢] بالجر عطف على «أكواب» ، أي يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين تكرمة لهم كما يجيء الجواري للملوك بالغلمان أو الجر على المجاورة والمراد الرفع وبالرفع (٦) عطف على (وِلْدانٌ) ، أي يطوف عليهم حور حين أيضا (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [٢٣] أي المستور في الصدف لم تمسه الأيدي (جَزاءً) أي للجزاء (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٢٤] من الحسنات.
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧))
(لا يَسْمَعُونَ فِيها) أي في الجنة عند شرب الخمر (لَغْواً) أي باطلا (وَلا تَأْثِيماً) [٢٥] أي ولا ما يحدث الإثم (إِلَّا قِيلاً) أي قولا (سَلاماً سَلاماً) [٢٦] أي سلاما بعد سلام ، يعني يسلم بعضهم بعضا بالإفشاء ويسلم الملائكة عليهم فوجا فوجا بأمر الله تعالى تكرمة لهم فالاستثناء منقطع ، أي لكنهم يسمعون فيها قولا و (سَلاماً سَلاماً) بدل منه (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) هذا ذكر الصنف الثاني بقوله (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) ، أي الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق (ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) [٢٧] أي لا تدري ما لهم من الخير والكرامة بسبب التوحيد والطاعة.
__________________
(١) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٨٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٧٢.
(٢) «ينزفون» : قرأ الكوفيون بكسر الزاي ، وغيرهم بفتحها ، واتفق العشرة على ضم الياء فيه. البدور الزاهرة ، ٣١٢.
(٣) ذكر ابن عباس نحوه ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٨٩.
(٤) الصحفة ، ح : ـ وي.
(٥) أي القصعة ، ح : ـ وي.
(٦) «وحور عين» : قرأ الأخوان وأبو جعفر بخفض الراء من «حور» ، والنون من «عين» ، والباقون برفعهما. البدور الزاهرة ، ٣١٢.