مقام معلوم في السماء يعبد فيه ولا يتجاوزه إلا باذن ، أي لا نستطيع أن نزل عنه ظفرا خشوعا لعظمته أذلاء بين يديه فكيف يكون جنسية بيننا وبينه تعالى كما روي : فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه (١).
(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩))
(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) [١٦٥] أقدامنا للصلوة خاشعين خاضعين أو الصافون حول العرش (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [١٦٦] أي نسبح الله تعالى عما لا يليق بجلاله ونمجده كما يجب على العباد لربهم فلا نكون مناسبين لرب العزة أصلا ، قوله (وَإِنْ كانُوا) «إِنْ» مخففة من الثقيلة واللام في (لَيَقُولُونَ) [١٦٧] هي الفارفة بينها وبين «إن» النافية ، نزل حين قال كفار مكة لو كان لنا كتاب مثل اليهود والنصارى لكنا نؤمن مخلصين (٢) ، فلما جاءهم محمد صلىاللهعليهوسلم بالقرآن كفروا فأخبر تعالى بأنهم كانوا يقولون (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) أي كتاب (مِنَ) كتب (الْأَوَّلِينَ) [١٦٨] الذين نزل عليهم التورية أو الإنجيل (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [١٦٩] أي لأخلصنا العبادة لله.
(فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠))
(فَكَفَرُوا بِهِ) أي بالقرآن وهو سيد الأذكار والكتب ، إذ هو معجز من بينها (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [١٧٠] عاقبة كفرهم وتكذيبهم وما حل بهم من الانتقام في الدنيا والآخرة.
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣))
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) أي عدتنا بالنصر (لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) [١٧١] والكلمة التي هي العدة ، قوله (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [١٧٢] وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [١٧٣] أي المؤمنون منهم الغالبون على الكفار بالحجة في الدنيا والعزة في الآخرة وإن انهزموا وغلبوا في بعض المشاهد (٣) في أثناء الحال.
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤))
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي أعرض عن كفار مكة وعن أذاهم (حَتَّى حِينٍ) [١٧٤] أي حين تؤمر فيه (٤) بالقتال ، فنسخت بآية القتال (٥).
(وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢))
(وَأَبْصِرْهُمْ) إذا نزل بهم العذاب هنا من القتل والأسر والعقوبة في الآخرة (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) [١٧٥] أي يبصرونك وما يقضى لك من النصرة والغلبة والثواب في العاقبة وفي الأمر للنبي عليهالسلام بأبصارهم على الحال الموعودة الدلالة على أنها كائنة لا محالة وتسلية له ، وفي «سوف يبصرون» تهديد شديد لهم ليتوبوا ، فثم قال الكفار متى ينزل العذاب بنا يا محمد استهزاء واستعجالا فنزل (٦)(أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) [١٧٦] لزيادة التخويف ، أي أفبعذاب مثلي وأنا رب العزة يستعجلون (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) أي العذاب بقربهم وحضرتهم (فَساءَ) أي يقال بئس (صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) [١٧٧] أي بئس الصباح صباح من أنذر بالعذاب وكذب به فلم يؤمن ، روي : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل بقرب خيبر قال : «الله أكبر هلكت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح
__________________
(١) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ١٢٨ ١٢٩.
(٢) لعل المفسر أخذه عن الكشاف ، ٥ / ١٢٩.
(٣) المشاهد ، ح و : المشاهدة ، ي.
(٤) فيه ، وي : فيهم ، ح.
(٥) عن مقاتل بن حيان ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٨٤ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٧٦ ؛ وابن الجوزي ، ٤٨ ـ ٤٩ (عن قتادة وابن زيد).
(٦) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٥٨٤.