(مُهْتَدٍ) أي موحد عامل بالكتاب (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [٢٦] أي تاركون العمل بالكتاب.
(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))
(ثُمَّ قَفَّيْنا) أي أتبعنا (عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) واحدا بعد واحد (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) على أثرهم (وَآتَيْناهُ) أي أعطيناه (الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ) المؤمنين (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في دينه (رَأْفَةً) أي شفقة (وَرَحْمَةً) أي مودة بينهم ، يعني يواد ويحب بعضهم بعضا بالإيمان به لم يكونوا يهودا ولا نصارى ، قوله (وَرَهْبانِيَّةً) عطف على (رَحْمَةً) ، أي وجعلنا في قلوبهم زهادة منسوبة إلى الرهبان وهو الخائف ويروى بضم الراء (١) ، و (ابْتَدَعُوها) صفة ل (رَهْبانِيَّةً) ، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل يفسره (ابْتَدَعُوها) ، أي اخترعوا تلك الرهبانية من تلقاء أنفسهم (ما كَتَبْناها) أي لم نفرضها (عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) أي لكنهم ابتدعوها لطلب رضاء الله فهو استثناء منقطع ، ويجوز أن يكون متصلا ، أي إلا ليبتغوا بها رضوان الله (فَما رَعَوْها) أي لم يحفظها المقتدون بهم بعدهم كما أوجبوا على أنفسهم (حَقَّ رِعايَتِها) أي بكمالها بل قصروا فيها ورجعوا عنها ودخلوا في دين ملوكهم ولم يبق على دين عيسى إلا القليل ، قيل : إن ملوكهم بعد عيسى بدلوا الإنجيل والتورية وهموا بقتل علمائهم لئلا ينكروا عليهم أفعالهم فهربوا واعتزلوا في الغيران ودخلوا الصوامع وطال عليهم الأمد فرجع بعضهم عن دين عيسى عليهالسلام فمنهم من تهود ومنهم من تنصر ومنهم من آمن بمحمد عليهالسلام (٢)(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) بمحمد ، أي أعطيناهم (أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) أي من العيسيين (فاسِقُونَ) [٢٧] أي خارجون عن الإيمان به والرهبانية ولم يتبعوهم فيها.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بموسى وعيسى (اتَّقُوا اللهَ) أي أطيعوه (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) أي بمحمد عليهالسلام (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) أي نصيبين (مِنْ رَحْمَتِهِ) أي من فضله لإيمانهم بموسى وعيسى وبمحمد عليهم الصلوة والسّلام (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) على الصراط المظلم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم (وَاللهُ غَفُورٌ) للمذنبين بعد التوبة (رَحِيمٌ) [٢٨] للمطيعين.
(لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))
قوله (لِئَلَّا يَعْلَمَ) أي ليعلم بزيادة «لا» للتأكيد تعليل للغفران والرحمة بالمؤمنين بمحمد عليهالسلام من أهل الكتاب ، يعني غفور رحيم بالمؤمنين بمحمد عليهالسلام ليعلم (أَهْلُ الْكِتابِ) الذين كفروا بمحمد عليهالسلام بعد الإيمان بموسى وعيسى (أَلَّا يَقْدِرُونَ) «أَنَّ» مخففة من الثقيلة بمعنى أن الشأن هم لا يقدرون (عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي لا ينالون شيئا من فضله تعالى من الكفلين والنور ومغفرة الذنوب بدون الإيمان بمحمد عليهالسلام ولا ينفعهم إيمانهم بمن قبله من الأنبياء ولم يكسبهم فضلا قط (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) أي وليعلموا أن كل الفضل في تصرفه وملكه (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) أي من كان أهلا لذلك لا اعتراض عليه (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [٢٩] أي العطاء الكبير كالنبوة والمعرفة والإيمان والثواب في الآخرة ، روي : أن أهل الكتاب افتخروا على المسلمين وقالوا من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين ، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم فما فضلكم علينا فنزلت (٣).
__________________
(١) هذه القرآءة مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ٨٧.
(٢) لعل المؤلف اختصره من السمرقندي ، ٣ / ٣٣٠ ؛ والكشاف ، ٥ / ٣١٩.
(٣) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٦ / ٨٨.