يحرم النظر إليه من الأم كالفخذ والبطن (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أي إلى الجماع الذي حرموه على أنفسهم بشيء قالوه من لفظ الظهار تنزيلا للمقول منزلة المقول فيه وهو الجماع ، ف «ما» بمعنى شيء موصوف ب (قالُوا) أو بمعنى الذي أو اللام في (لِما) بمعنى إلى بتقدير المضاف ، أي يعودون إلى رفع ما قالوه أو العود بمعنى الندم واللام بمعنى عن (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) مؤمنة أو كافرة عند أبي حنيفة رضي الله عنه ، ولا تجزى إلا المؤمنة عند الشافعي رضي الله عنه كما في كفارة القتل ، أي فكفارتهم عتق رقبة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أي من قبل (١) أن يجامعها الزوج المظاهر ، والجملة خبر «الَّذِينَ» (ذلِكُمْ) أي الحكم بالكفارة (تُوعَظُونَ بِهِ) لتنزجروا عن الظهار (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [٣] من الوفاء وغيره ، قال الشافعي لا يكون الظهار إلا بالأم وحدها وقال أبو حنيفة رحمهالله لو وضع المظاهر مكان الأم ذات رحم محرم منه من نسب أو رضاع أو صهر كان ظهارا (٢).
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥))
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) الرقبة (فَصِيامُ) أي فعليه صيام (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) أي لا يفصل بينهما (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أي المظاهر والمظاهر منها ، فالآية دلت على أن المظاهر لا يحل له أن يجامع المظاهر منها قبل الكفارة ، وإنه لو أفطر يوما من الشهرين بغير عذاب كالمرض وغيره أو نسي النية استأنف الشهرين (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصيام (فَإِطْعامُ) أي فعليه إطعام (سِتِّينَ مِسْكِيناً) لكل مسكين مد من طعام بلده الغالب للقوت عند الشافعي رضي الله عنه وهو رطل وثلاث رطل بالبغدادي ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه نصف صاع من بر وصاع من غيره ، فلو شرع المظاهر في صيام الشهرين ، ثم جامع فيهما ليلا فالشافعي رضي الله عنه لا يستأنف الشهرين ، وأبو حنيفة يستأنفهما سواء كان عمدا أو نسيانا ، قيل : لو امتنع المظاهر من الكفارة جاز للمرأة أن ترافعه وعلى القاضي أن يجبره على أن يكفر وأن يحبسه حتى يوفي (٣) ، قيل : إنما لم يذكر من قبل أن يتماسا عند الكفارة بالإطعام للدلالة على أن التكفير به قبل الجماع وبعده سواء بخلاف الأولين ، فان التكفير يجب تقديمه على الجماع فيهما (٤)(ذلِكَ) أي المذكور من أمر الكفارة لذنوبكم (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أي لإيمانكم بوحدانية الله ونبوة رسوله وتصديقكم بأمرهما (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) أي هذه فرائض الله وأحكامه التي لا يجوز تعديها (وَلِلْكافِرِينَ) بهما وبأحكامهما (عَذابٌ أَلِيمٌ [٤] إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي الذين يشاقونهما في أحكامهما (كُبِتُوا) أي أخذوا وأهلكوا (كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم وهما المعادون الله ورسوله ، من الكبت وهو الغيظ والإهلاك والإذلال (وَقَدْ أَنْزَلْنا) أي ذلوا وغلبوا والحال «أَنْزَلْنا» (آياتٍ بَيِّناتٍ) تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به وهو القرآن فلم يؤمنوا به (وَلِلْكافِرِينَ) بهذه الآيات (عَذابٌ مُهِينٌ) [٥] يذهب بعزهم وكبرهم.
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦))
قوله (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ) ظرف ل (مُهِينٌ) أو نصب بأذكر مضمرا لتعظيم اليوم ، أي اذكر يوم يبعث (اللهُ) الخلائق (جَمِيعاً) من قبورهم من الأولين والآخرين (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) من خير وشر ليعلموا ثبوت الحجة عليهم (أَحْصاهُ) أي حفظ (اللهُ) عليهم عملهم (وَنَسُوهُ) أي وهم نسوا عملهم لتهاونهم به (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [٦] أي عالم بأعمالهم جميعا.
__________________
(١) من قبل ، ح : ـ وي.
(٢) وهذه الأقوال منقولة عن الكشاف ، ٦ / ٨٩ ـ ٩٠.
(٣) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ٦ / ٨٩.
(٤) نقل المفسر هذا القول مختصرا عن الكشاف ، ٦ / ٩٠.