سورة الحشر
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢))
(سَبَّحَ لِلَّهِ) أي نزه الله تعالى أو صلى له كل (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي أهلهما كالملائكة والإنس والجن (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) [١] في أمره ، قيل : نزلت هذه السورة حين عاهد بنو النضير النبي عليهالسلام على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه الغير ، فلما انهزم المؤمنون بأحد نقضوا العهد وحالفوا الكفار ، فأخبر جبرائيل النبي عليهالسلام بذلك فسار بأصحابه عليهم فقالوا اخرجوا من المدينة فقالوا الموت أولى بنا من ذلك ، فأرسل إليهم ابن أبي وأصحابه من المنافقين بالخفية لا تخرجوا من حصنكم ، فانا معكم ننصركم إن قوتلتم وإن خرجتم خرجنا معكم ، فحصنوا أزقتهم وجعلوا لها أبوابا للقتال ، فحاصرهم النبي عليهالسلام إحدى وعشرين يوما فرعبت قلوبهم وطلبوا الصلح من النبي عليهالسلام فأبى عليهم عليهالسلام إلا الجلاء ، فخرجوا من المدينة إلى أريحاء وأذرعات وخرج ابن أخطب إلى خيبر وبعضهم إلى الحيرة مدينة بقرب كوفة (١) ، فقال تعالى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) وهم بنو النضير (مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) واللام للتوقيت ، أي عند أول حشرهم إلى الشام ، لأنهم سألوا النبي عليهالسلام إلى أين نخرج ، قال إلى أرض المحشر وهو الشام ، قيل : هذا أول حشرهم ، وآخره يوم القيامة (٢)(ما ظَنَنْتُمْ) أيها المؤمنون (أَنْ يَخْرُجُوا) من ديارهم لقوتهم وكثرة منعتهم (وَظَنُّوا) أي بنو النضير (أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ) أي التي يمنعهم (حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) أي من عذابه وهو الجلاء من ديارهم ، وفي تقديم الخبر على المبتدأ في الجملة الواقعة خبرا دليل على فرط وثوقهم بحصانة الحصون ومنعها إياهم من الله (فَأَتاهُمُ اللهُ) أي أمره بالعذاب الموعود لهم (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أي لم يخطر ببالهم (وَقَذَفَ) أي أوقع وأثبت (فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) بضم العين وسكونه (٣) ، أي الخوف بقتل سيدهم كعب بن الأشرف قتله أخوه غرة بالليل ، بعثه النبي عليهالسلام ليقتله فاستخرجه من بيته بقوله إني آتيتك لأستقرض منك شيئا من التمر فخرج إليه فقتله ، ورجع إلى النبي عليهالسلام وأخبره ففرح به لأنه أضعف قلوبهم وسلب قوتهم (يُخْرِبُونَ) بالتخفيف والتشديد (٤) ، أي يهدمون (بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) كيلا يسكنها المؤمنون (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) لأنهم
__________________
(١) اختصره المؤلف عن البغوي ، ٥ / ٣٣٧ ـ ٣٣٩ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٤٢ ـ ٣٤٣.
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ٩٦.
(٣) «الرعب» : ضم العين الشامي والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وأسكنها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣١٧.
(٤) «يخربون» : قرأ أبو عمرو بفتح الخاء وتشديد الراء وغيره باسكان الخاء وتخفيف الراء. البدور الزاهرة ، ٣١٧.