كانوا يثقبون بيوتهم ليتمكنوا من الدخول عليهم وقتالهم ، فكأنهم أمروهم به (فَاعْتَبِرُوا) بمصابحهم من الله من غير قتال وتسليط المؤمنين عليهم (يا أُولِي الْأَبْصارِ) [٢] أي يا أصحاب البصيرة في أمر الله تعالى.
(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤))
(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ) أي حكم (اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) أي الخروج عن (١) وطنهم إلى الشام (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل والسبي كقريظة الذين هم إخوانهم (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ [٣] ذلِكَ) أي الذي أصابهم من الجلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي خالفوا أمرهما ولم يرضوا دين الإسلام (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) أي يخالف أمره (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [٤] إذا عاقب أحدا.
(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥))
ونزل حين يخرج المسلمون بقطع نخلهم ليغيظوا بهم وقت محاصرتهم قوله (٢)(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) أي نخلة واللينة جميع ضروب النخل سوى العجوزة والبرنية ، وهما أجود النخل استبقوهما لأنفسهم وأصلها لونة من اللون ، وقيل : اللينة النخلة الكريمة (٣) ، كأنهم اشتقوها من اللين ، وقيل : «هم قطعوا منها ما كان موضعا للقتال» (٤) ، ومحل (ما) الشرطية نصب ب (قَطَعْتُمْ) و (مِنْ لِينَةٍ) بيان لها ، أي أي شيء قطعتم من اللينة (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها) فلم تقطعوها ، وأنث الضمير الراجع إلى (ما) ، لأنه في معنى اللينة ، وجواب الشرط قوله (فَبِإِذْنِ اللهِ) أي فقطعها بأمره ومشيته فلا جناح عليكم فيه (وَ) فعل الله ذلك (لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) [٥] أي ليذل الناقضين للعهد وهم بنو النضير من اليهود.
(وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦))
ونزل حين ترك بنو النضير ديارهم وضياعهم وذهبوا وطلب المسلمون قسمتها كخيبر قوله (٥)(وَما أَفاءَ اللهُ) أي الذي رد الله (عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) أي من أموال الكفار المخرجين من ديارهم (فَما أَوْجَفْتُمْ) من الإيجاف وهو السير السريع ، أي ما أسرعتم (عَلَيْهِ) أي على طلبه (مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) أي إبل ، و (مِنْ) زائدة بعد النفي ، أي لم تقاسوا مشقة شديدة على أخذ أموال اليهود ، بل مشيتم مشيا ففتحها الله في أيديكم فلم يكن ذلك غزوة بايجاف الخيل والركاب ، فجعله الله فيئا يختص به النبي عليهالسلام فقسمها بين المهاجرين ، قوله (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ) عطف عل ى «ما أوجفتم» ، أي ما حصلتموه بالقهر والغلبة ولكنه تعالى يسلط (رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) إهلاكه وأخذ ماله ، ومحمد عليهالسلام منهم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [٦] أي يقدر على التسليط وغيره.
(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧))
ثم بين ما يصنع النبي عليهالسلام بالفيء بترك حرف العطف فيه بقوله (ما أَفاءَ) أي الذي رد (اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) أي من بني النضير وفدك وبني قريظة وخيبر (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) أراد بهما النبي عليهالسلام (وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) أي أمره الله أن يضع الفيء حيث يضع الخمس من
__________________
(١) عن ، وي : من ، ح.
(٢) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٤٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٤٠ ؛ والواحدي ، ٣٤٣ ـ ٣٤٤.
(٣) أخذ المفسر هذا المعنى عن الكشاف ، ٦ / ٩٧.
(٤) عن ابن عباس ، انظر الكشاف ، ٦ / ٩٧.
(٥) قد أخذه عن البغوي ، ٥ / ٣٤٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٤٤.