(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١))
ثم حرض بني آدم على الإيمان بالقرآن والعمل به لما فيه من الوعد والوعيد الموجبين للرجاء والخوف من الله تعالى فقال (١)(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً) أي خاضعا (مُتَصَدِّعاً) أي متفرقا (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أي من خوف عذابه ، والكافر معرض عنه لقساوة قلبه أشد قسوة من الجبل ، هذا على وجه المثل ، يعني لو كان للجبل تمييز لتصدع من خشية الله تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) أي التي ذكرت في القرآن (نَضْرِبُها) أي نبينها (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [٢١] في تلك الأمثال فيعتبرون ولا يعصون ربهم.
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢))
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا شريك له في العبادة (عالِمُ الْغَيْبِ) أي عالم بما غاب عن العباد (وَالشَّهادَةِ) أي وعالم بما عاينوه ، يعني عالم بأمر الآخرة وأمر الدنيا لا يخفى عليه شيء منهما (هُوَ الرَّحْمنُ) أي العطوف على جميع الخلق بالرزق (الرَّحِيمُ) [٢٢] بمغفرة الذنوب للمؤمنين.
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣))
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ) أي الذي لا يزول ملكه عن كل شيء (الْقُدُّوسُ) أي الطاهر المنزه عن كل عيب (السَّلامُ) أي السالم من كل عيب أو ذو السّلام على أوليائه في الجنة أو ذو السلامة لهم من كل مخوف (الْمُؤْمِنُ) أي المعطي الأمن لأوليائه من عذابه (الْمُهَيْمِنُ) أي الرقيب على كل شيء ، أصله مأء من بهمزتين قلبت الأولى هاء والثانية ياء (الْعَزِيزُ) أي الذي لا يعجزه شيء عما أراد (الْجَبَّارُ) أي الذي يغلب على خلقه باجبارهم على ما أراد (الْمُتَكَبِّرُ) أي الذي تعالى عن صفات المحدثات وتعظم على جميعها بقوته (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [٢٣] أي أنزهه تنزيها عما وصفه الكفار من الشريك والولد.
(هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤))
(هُوَ اللهُ الْخالِقُ) أي المقدر لكل موجود (الْبارِئُ) أي المميز بعض خلقه من بعض بالأشكال المختلفة (الْمُصَوِّرُ) أي الذي يمثل كل شيء بصورته كما يصور الأولاد في الأرحام بالشكل واللون (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أي له الصفات العلى ، روي عن النبي عليهالسلام : «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحدة ، من أحصاها دخل الجنة» (٢) ، قوله «مائة غير واحدة» بدل الكل ، وتأنيث الواحدة باعتبار الكلمة ، قوله «من أحصاها» ، أي عددها وحفظها بقلبه علما وإيمانا بها (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي يخضع له جميع الأشياء (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) [٢٤] في أمره وإنما مدح الله نفسه بهذه الصفات العظام تعليما لعباده المدح له بصفاته العلى بعد فهم معانيها ، ومعرفة استحقاقه بذلك طلبا لزيادة تقربهم إليه تعالى ، قال أبو هريرة رضي الله عنه سألت رسول الله عليه وسلم عن اسم الله الأعظم ، فقال : «عليك بآخر الحشر فأكثر قراءته» ، فأعدت عليه فأعاد علي ، فأعدت عليه فعاد علي (٣).
__________________
(١) من الله تعالى فقال ، ي : من الله تعالى ، ح ، من الله فقال ، و.
(٢) رواه مسلم ، الذكر ، ٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٤٩.
(٣) انظر الكشاف ، ٦ / ١٠١. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.