سورة الممتحنة
مدنية
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) نزل حين كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا يعرف كفار مكة أن محمدا جهز الجيش للخروج إلى فتح مكة ، وكان النبي عليهالسلام ورى ذلك بالخروج إلى ناحية أخرى إذا امرأة قدمت من مكة يقال لها سارة ، فقال النبي عليهالسلام لها : لماذا جئت؟ فقالت : جئت لتعطيني شيئا ، فأعطاها شيئا فرجعت إلى مكة فأعطاها حاطب كتابه لتذهب به إلى مكة نصحا لهم لكون أولاده عندهم ، فلما دخلت في الطريق جاء جبرائيل وأخبر النبي عليهالسلام ذلك ، فبعث عليا رضي الله عنه عقبها ، فلما بلغ سل سيفه وقال : أخرجي الكتاب أو تضعي رأسك فأجرجته من عقاص شعرها ، أي من ظفائرها (١) ، فقال تعالى يا أيها المؤمنون (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) في العون والنصرة ، قوله (تُلْقُونَ) حال من فاعل (لا تَتَّخِذُوا) ، أي تبعثون (إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أي بسبب المودة إخبار المسلمين بالكتاب والنصيحة ، فالباء للسببية والمفعول محذوف ، ويجوز أن يكون صفة ل (أَوْلِياءَ) أو استئنافا ، أي أنتم تفضون (٢) إليهم المودة ، والباء زائدة أو للسببية والواو للحال في (وَقَدْ كَفَرُوا) من ضمير (تُلْقُونَ) ، أي وقد جحدوا (بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) أي من القرآن وبالرسول والحال أنهم (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من دياركم ، ويجوز أن يكون (يُخْرِجُونَ) تفسيرا لكفرهم معللا بقوله (أَنْ تُؤْمِنُوا) أي لإيمانكم (بِاللهِ رَبِّكُمْ) فكيف تلقون إليهم بالمودة ويتعلق ب (لا تَتَّخِذُوا) ، قوله (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً) أي للجهاد (فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) أي لطلب رضاي ، شرط ، و (٣) جواب الشرط محذوف ، أي لا تتولوا أعدائي بدلالة (لا تَتَّخِذُوا) الآية ، المعنى : إن كنتم أوليائي لا تتولوا أعدائي ولا تخبروهم بخبر الرسول والمسلمين ، قوله (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ) استئناف ، أي أنتم تسرون إلى أعدائي (بِالْمَوَدَّةِ) ولا طائل لكم في أسراركم (وَأَنَا أَعْلَمُ) أي والحال أني أعلم (بِما أَخْفَيْتُمْ) من المودة لأهل الكفر (وَما أَعْلَنْتُمْ) من الإقرار بالتوحيد فلا تودوهم (٤) ولا تساروهم (وَمَنْ يَفْعَلْهُ) أي الأسرار (مِنْكُمْ) بعدها (فَقَدْ ضَلَّ) أي أخطأ (سَواءَ السَّبِيلِ) [١] أي طريق الفلاح.
__________________
(١) اختصره من السمرقندي ، ٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٠٢ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٤٦ ـ ٣٤٧.
(٢) تفضون ، وي : تقضون ، ح.
(٣) شرط و ، ح : ـ وي.
(٤) فلا تودوهم ، وي : ولا تودوهم ، ح.